المسألة الخامسة : اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=10378البكر من الرجال والنساء ، إذا زنا وجب جلده مائة جلدة كما هو نص الآية الكريمة ، ولا خلاف فيه ، ولكن العلماء اختلفوا
nindex.php?page=treesubj&link=10420_33507هل يغرب سنة مع جلده مائة أو لا يغرب ؟ فذهب جمهور أهل العلم إلى أن البكر يغرب سنة مع الجلد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في " المغني " : وهو قول جمهور أهل العلم ، روي ذلك عن الخلفاء الراشدين ، وبه قال
أبي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، وابن
عمر - رضي الله عنهم - ، وإليه ذهب
عطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وقال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي : يغرب الرجل دون المرأة ، وقال
أبو حنيفة ومحمد : لا يجب التغريب على ذكر ولا أنثى ، وقال
النووي في شرح
مسلم : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والجماهير : ينفى سنة رجلا كان أو امرأة . وقال
الحسن : لا يجب النفي ، وقال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي : لا نفي على النساء ، وروي مثله عن
علي - رضي الله عنه - إلى أن قال : وأما
nindex.php?page=treesubj&link=10420العبد والأمة ففيهما ثلاثة أقوال
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي :
[ ص: 409 ] أحدها : يغرب كل واحد منهما سنة لظاهر الحديث ، وبهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
وداود ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير .
والثاني : يغرب نصف سنة ; لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ 4 \ 25 ] ، وهذا أصح الأقوال عند أصحابنا ، وهذه الآية مخصصة لعموم الحديث ، والصحيح عند الأصوليين : جواز
nindex.php?page=treesubj&link=21253تخصيص السنة بالكتاب ; لأنه إذا جاز تخصيص الكتاب بالكتاب فتخصيص السنة به أولى .
والثالث : لا يغرب المملوك أصلا ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ،
وحماد ،
ومالك ،
وأحمد ،
وإسحاق ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الأمة إذا زنت " : فليجلدها " ، ولم يذكر النفي ، ولأن نفيه يضر سيده مع أنه لا جناية من سيده ، وأجاب أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن حديث الأمة إذا زنت أنه ليس فيه تعرض للنفي ، والآية ظاهرة في وجوب النفي ، فوجب العمل بها ، وحمل الحديث على موافقتها ، والله أعلم ، اهـ كلام
النووي ، وقوله : إن الآية ظاهرة في وجوب النفي ليس بظاهر ، فانظره .
وإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه المسألة ، وأن الأئمة الثلاثة :
مالكا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ، متفقون على
nindex.php?page=treesubj&link=10420تغريب الزاني البكر الحر الذكر ، وإن وقع بينهم خلاف في
nindex.php?page=treesubj&link=17904_17907تغريب الإناث والعبيد ، وعلمت أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة ، ومن ذكرنا معه يقولون : بأنه لا يجب التغريب على الزاني مطلقا ذكرا كان أو أنثى ، حرا أو عبدا ، فهذه تفاصيل أدلتهم .
أما الذين قالوا : يغرب البكر الزاني سنة ، فاحتجوا بأن ذلك ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبوتا لا مطعن فيه ، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما وباقي الجماعة في حديث العسيف الذي زنى بامرأة الرجل الذي كان أجيرا عنده ، وفيه : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009184والذي نفسي بيده ، لأقضين بينكما بكتاب الله : الوليدة والغنم رد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام " الحديث ، وفيه التصريح من النبي - صلى الله عليه وسلم - برواية صحابيين جليلين أنه أقسم ليقضين بينهما بكتاب الله ، ثم صرح بأن من ذلك القضاء بكتاب الله جلد ذلك الزاني البكر مائة وتغريبه عاما ، وهذا أصح نص وأصرحه في محل النزاع . ومن ذلك ما أخرجه
مسلم في صحيحه وغيره وهو حديث
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - الذي قدمناه ، وفيه " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009185البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة " ، وهو أيضا نص صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صريح في محل النزاع ، واحتج الحنفية ومن وافقهم من الكوفيين على عدم التغريب بأدلة :
[ ص: 410 ] منها : أن التغريب سنة زيادة على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، والمقرر في أصول الحنفية هو أن الزيادة على النص نسخ له ، وإذا كانت زيادة التغريب على الجلد في الآية تعتبر نسخا للآية فهم يقولون : إن الآية متواترة ، وأحاديث التغريب أخبار آحاد ، والمتواتر عندهم لا ينسخ بالآحاد ، وقد قدمنا في مواضع من هذا الكتاب المبارك أن كلا الأمرين ليس بمسلم ، أما الأول منهما وهو أن كل زيادة على النص ، فهي ناسخة له ليس بصحيح ; لأن الزيادة على النص لا تكون ناسخة له على التحقيق ، إلا إن كانت مثبتة شيئا قد نفاه النص أو نافية شيئا أثبته النص ، أما إذا كانت زيادة شيء سكت عنه النص السابق ، ولم يتعرض لنفيه ، ولا لإثباته فالزيادة حينئذ إنما هي رافعة للبراءة الأصلية المعروفة في الأصول بالإباحة العقلية ، وهي بعينها استصحاب العدم الأصلي ، حتى يرد دليل ناقل عنه ، ورفع البراءة الأصلية ليس بنسخ ، وإنما النسخ رفع حكم شرعي كان ثابتا بدليل شرعي .
وقد أوضحنا هذا المبحث في سورة " الأنعام " ، في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا [ 6 \ 145 ] .
وفي سورة " الحج " في مبحث اشتراط الطهارة للطواف في كلامنا الطويل على آيات " الحج " وغير ذلك من مواضع هذا الكتاب المبارك .
وأما الأمر الثاني : وهو أن المتواتر لا ينسخ بأخبار الآحاد ; فقد قدمنا في سورة " الأنعام " في الكلام على آية " الأنعام " المذكورة آنفا ، أنه غلط فيه جمهور الأصوليين غلطا لا شك فيه ، وأن التحقيق هو جواز
nindex.php?page=treesubj&link=22217نسخ المتواتر بالآحاد ; إذا ثبت تأخرها عنه ، ولا منافاة بينهما أصلا ، حتى يرجح المتواتر على الآحاد ، لأنه لا تناقض مع اختلاف زمن الدليلين ; لأن كلا منهما حق في وقته ، فلو قالت لك جماعة من العدول : إن أخاك المسافر لم يصل بيته إلى الآن ، ثم بعد ذلك بقليل من الزمن أخبرك إنسان واحد أن أخاك وصل بيته ، فإن خبر هذا الإنسان الواحد أحق بالتصديق من خبر جماعة العدول المذكورة ; لأن أخاك وقت كونهم في بيته لم يقدم ، وبعد ذهابهم بزمن قليل قدم أخوك فأخبرك ذلك الإنسان بقدومه وهو صادق ، وخبره لم يعارض خبر الجماعة الآخرين لاختلاف زمنهما كما أوضحناه في المحل المذكور ; فالمتواتر في وقته قطعي ، ولكن استمرار حكمه إلى الأبد ليس بقطعي ،
[ ص: 411 ] فنسخه بالآحاد إنما نفى استمرار حكمه ، وقد عرفت أنه ليس بقطعي ، كما ترى .
ومن أدلتهم على عدم التغريب : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد الساعدي عند
أبي داود ، وقد قدمناه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009186أن رجلا أقر عنده - صلى الله عليه وسلم - أنه زنى بامرأة سماها فأنكرت أن تكون زنت ، فجلده الحد ، وتركها ، وما رواه
أبو داود أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009187أن رجلا من بكر بن ليث أقر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه زنى بامرأة أربع مرات ، وكان بكرا فجلده النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة ، وسأله - صلى الله عليه وسلم - البينة على المرأة إذ كذبته ، فلم يأت بها ; فجلده حد الفرية ثمانين جلدة ، قالوا : ولو كان التغريب واجبا لما أخل به النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومن أدلتهم أيضا : الحديث الصحيح "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009188إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها " الحديث ، وهو متفق عليه ، ولم يذكر فيه التغريب مع الجلد ، فدل ذلك على أن التغريب منسوخ ، وهذا الاستدلال لا ينهض لمعارضة النصوص الصحيحة الصريحة التي فيها إقسامه - صلى الله عليه وسلم - أن الجمع بين جلد البكر ، ونفيه سنة قضاء منه - صلى الله عليه وسلم - بكتاب الله .
وإيضاح ذلك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقسم أن الجمع بين الجلد والتغريب قضاء بكتاب الله ، وهذا النص الصحيح بالغ من الصراحة في محل النزاع ، ما لم يبلغه شيء آخر يعارض به .
وقال
الشوكاني في " نيل الأوطار " : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المبين ، وقد أقسم أن الجمع بين الجلد والتغريب قضاء بكتاب الله ، قال : وخطب بذلك
عمر - رضي الله عنه - على رءوس المنابر ، وعمل به الخلفاء الراشدون ، ولم ينكره أحد فكان إجماعا ، اهـ منه .
وذكر مرجحات أخرى متعددة لوجوب التغريب .
والحاصل : أن حديث
أبي داود الذي استدلوا به من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ليس فيه ذكر التغريب ، ولا التصريح بعدمه ، ولم يعلم هل هو قبل حديث الإقسام ، بأن الجمع بينهما قضاء بكتاب الله أو بعده ؟ فعلى أن المتأخر الإقسام المذكور فالأمر واضح ، وعلى تقدير أن الإقسام هو المتقدم ، فذلك التصريح ، بأن الجمع بينهما قضاء بكتاب الله مع الإقسام على ذلك لا يصح رفعه بمحتمل ; ولو تكررت الروايات به تكررا كثيرا ، وعلى أنه لا يعرف المتقدم منهما كما هو الحق ، فالحديث المتفق عليه عن صحابيين جليلين هما :
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ،
وزيد بن خالد الجهني الذي فيه الإقسام بأن الجمع بينهما قضاء بكتاب الله ، لا شك في تقديمه على حديث
أبي داود الذي هو دونه في السند والمتن . أما
[ ص: 412 ] كونه في السند فظاهر ، وأما كونه في المتن فلأن حديث
أبي داود ليس فيه التصريح بنفي التغريب ، والصريح مقدم على غير الصريح كما هو معروف في الأصول ، وبه تعلم أن الأصح الذي لا ينبغي العدول عنه جمع الجلد والتغريب .
وأما الاستدلال بحديث الأمة فليس بوجيه لاختلاف الأمة والأحرار في أحكام الحد ، فهي تجلد خمسين ، ولو محصنة ، ولا ترجم ، والأحرار بخلاف ذلك ، فأحكام الأحرار والعبيد في الحدود قد تختلف .
وقد بينت آية " النساء " اختلاف الحرة والأمة في حكم حد الزنا من جهتين :
إحداهما : أنها صرحت بأنها إن كانت محصنة ، فعليها الجلد لا الرجم .
والثانية : أن عليها نصفه ، وذلك في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ 4 \ 25 ] ، فتأمل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فإذا أحصن ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، يظهر لك ما ذكرنا .
ومما ذكرنا تعلم أن الأصح الذي لا ينبغي العدول عنه هو وجوب تغريب البكر سنة مع جلده مائة لصراحة الأدلة الصحيحة في ذلك ، والعلم عند الله تعالى .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10378الْبِكْرَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا زَنَا وَجَبَ جَلْدُهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ كَمَا هُوَ نَصُّ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ ، وَلَكِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا
nindex.php?page=treesubj&link=10420_33507هَلْ يُغَرَّبُ سَنَةً مَعَ جَلْدِهِ مِائَةً أَوْ لَا يُغَرَّبُ ؟ فَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْبِكْرَ يُغَرَّبُ سَنَةً مَعَ الْجَلْدِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13439ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي " : وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ، وَبِهِ قَالَ
أُبَيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
عَطَاءٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ ،
وَإِسْحَاقُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَقَالَ
مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ : يُغَرَّبُ الرَّجُلُ دُونَ الْمَرْأَةِ ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَجِبُ التَّغْرِيبُ عَلَى ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى ، وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
مُسْلِمٍ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَالْجَمَاهِيرُ : يُنْفَى سَنَةً رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً . وَقَالَ
الْحَسَنُ : لَا يَجِبُ النَّفْيُ ، وَقَالَ
مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوَزْاعِيُّ : لَا نَفْيَ عَلَى النِّسَاءِ ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى أَنْ قَالَ : وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10420الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فَفِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ
nindex.php?page=showalam&ids=13790لِلشَّافِعِيِّ :
[ ص: 409 ] أَحَدُهَا : يُغَرَّبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَنَةً لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ، وَبِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ ،
وَدَاوُدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ .
وَالثَّانِي : يُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [ 4 \ 25 ] ، وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ : جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=21253تَخْصِيصِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ ; لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ فَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِهِ أَوْلَى .
وَالثَّالِثُ : لَا يُغَرَّبُ الْمَمْلُوكُ أَصْلًا ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ،
وَحَمَّادٌ ،
وَمَالِكٌ ،
وَأَحْمَدُ ،
وَإِسْحَاقُ ; لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ " : فَلْيَجْلِدْهَا " ، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّفْيَ ، وَلِأَنَّ نَفْيَهُ يَضُرُّ سَيِّدَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ سَيِّدِهِ ، وَأَجَابَ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ عَنْ حَدِيثِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلنَّفْيِ ، وَالْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي وُجُوبِ النَّفْيِ ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا ، وَحُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى مُوَافَقَتِهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، اهـ كَلَامُ
النَّوَوِيِّ ، وَقَوْلُهُ : إِنَّ الْآيَةَ ظَاهِرَةٌ فِي وُجُوبِ النَّفْيِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ ، فَانْظُرْهُ .
وَإِذَا عَرَفْتَ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَأَنَّ الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ :
مَالِكًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيَّ ،
وَأَحْمَدَ ، مُتَّفِقُونَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=10420تَغْرِيبِ الزَّانِي الْبِكْرِ الْحُرِّ الذَّكَرِ ، وَإِنْ وَقَعَ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=17904_17907تَغْرِيبِ الْإِنَاثِ وَالْعَبِيدِ ، وَعَلِمْتَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ ، وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ يَقُولُونَ : بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّغْرِيبُ عَلَى الزَّانِي مُطْلَقًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، حُرًّا أَوْ عَبْدًا ، فَهَذِهِ تَفَاصِيلُ أَدِلَّتِهِمْ .
أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : يُغَرَّبُ الْبِكْرُ الزَّانِي سَنَةً ، فَاحْتَجُّوا بِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُبُوتًا لَا مَطْعَنَ فِيهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحِيهِمَا وَبَاقِي الْجَمَاعَةِ فِي حَدِيثِ الْعَسِيفِ الَّذِي زَنَى بِامْرَأَةِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ أَجِيرًا عِنْدَهُ ، وَفِيهِ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009184وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ : الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ " الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرِوَايَةِ صَحَابِيَّيْنِ جَلِيلَيْنِ أَنَّهُ أَقْسَمَ لَيَقْضِيَنَّ بَيْنَهُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ ، ثُمَّ صَرَّحَ بِأَنَّ مِنْ ذَلِكَ الْقَضَاءِ بِكِتَابِ اللَّهِ جَلْدَ ذَلِكَ الزَّانِي الْبِكْرَ مِائَةً وَتَغْرِيبَهُ عَامًا ، وَهَذَا أَصَحُّ نَصٍّ وَأَصْرَحُهُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ، وَفِيهِ " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009185الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ " ، وَهُوَ أَيْضًا نَصٌّ صَحِيحٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرِيحٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ، وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْكُوفِيِّينَ عَلَى عَدَمِ التَّغْرِيبِ بِأَدِلَّةٍ :
[ ص: 410 ] مِنْهَا : أَنَّ التَّغْرِيبَ سَنَةً زِيَادَةٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ، وَالْمُقَرَّرُ فِي أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ لَهُ ، وَإِذَا كَانَتْ زِيَادَةُ التَّغْرِيبِ عَلَى الْجَلْدِ فِي الْآيَةِ تُعْتَبَرُ نَسْخًا لِلْآيَةِ فَهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ الْآيَةَ مُتَوَاتِرَةٌ ، وَأَحَادِيثُ التَّغْرِيبِ أَخْبَارُ آحَادٍ ، وَالْمُتَوَاتِرُ عِنْدَهُمْ لَا يَنْسَخُ بِالْآحَادِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ ، أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ زِيَادَةٍ عَلَى النَّصِّ ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ; لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ لَا تَكُونُ نَاسِخَةً لَهُ عَلَى التَّحْقِيقِ ، إِلَّا إِنْ كَانَتْ مُثْبِتَةً شَيْئًا قَدْ نَفَاهُ النَّصُّ أَوْ نَافِيَةً شَيْئًا أَثْبَتَهُ النَّصُّ ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ زِيَادَةُ شَيْءٍ سَكَتَ عَنْهُ النَّصُّ السَّابِقُ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِهِ ، وَلَا لِإِثْبَاتِهِ فَالزِّيَادَةُ حِينَئِذٍ إِنَّمَا هِيَ رَافِعَةٌ لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْأُصُولِ بِالْإِبَاحَةِ الْعَقْلِيَّةِ ، وَهِيَ بِعَيْنِهَا اسْتِصْحَابُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ ، حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ نَاقِلٌ عَنْهُ ، وَرَفْعُ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَيْسَ بِنَسْخٍ ، وَإِنَّمَا النَّسْخُ رَفْعُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ كَانَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ .
وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا الْمَبْحَثَ فِي سُورَةِ " الْأَنْعَامِ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا [ 6 \ 145 ] .
وَفِي سُورَةِ " الْحَجِّ " فِي مَبْحَثِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ فِي كَلَامِنَا الطَّوِيلِ عَلَى آيَاتِ " الْحَجِّ " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ .
وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنَّ الْمُتَوَاتِرَ لَا يُنْسَخُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ ; فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ " الْأَنْعَامِ " فِي الْكَلَامِ عَلَى آيَةِ " الْأَنْعَامِ " الْمَذْكُورَةِ آنِفًا ، أَنَّهُ غَلَطَ فِيهِ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ غَلَطًا لَا شَكَّ فِيهِ ، وَأَنَّ التَّحْقِيقَ هُوَ جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=22217نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ ; إِذَا ثَبَتَ تَأَخُّرُهَا عَنْهُ ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا ، حَتَّى يُرَجَّحَ الْمُتَوَاتِرُ عَلَى الْآحَادِ ، لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ مَعَ اخْتِلَافِ زَمَنِ الدَّلِيلَيْنِ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقٌّ فِي وَقْتِهِ ، فَلَوْ قَالَتْ لَكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُدُولِ : إِنَّ أَخَاكَ الْمُسَافِرَ لَمْ يَصِلْ بَيْتَهُ إِلَى الْآنَ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ مِنَ الزَّمَنِ أَخْبَرَكَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ أَنَّ أَخَاكَ وَصَلَ بَيْتَهُ ، فَإِنَّ خَبَرَ هَذَا الْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ أَحَقُّ بِالتَّصْدِيقِ مِنْ خَبَرِ جَمَاعَةِ الْعُدُولِ الْمَذْكُورَةِ ; لِأَنَّ أَخَاكَ وَقْتَ كَوْنِهِمْ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَقْدَمْ ، وَبَعْدَ ذَهَابِهِمْ بِزَمَنٍ قَلِيلٍ قَدِمَ أَخُوكَ فَأَخْبَرَكَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ بِقُدُومِهِ وَهُوَ صَادِقٌ ، وَخَبَرُهُ لَمْ يُعَارِضْ خَبَرَ الْجَمَاعَةِ الْآخَرِينَ لِاخْتِلَافِ زَمَنِهِمَا كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ ; فَالْمُتَوَاتِرُ فِي وَقْتِهِ قَطْعِيٌّ ، وَلَكِنَّ اسْتِمْرَارَ حُكْمِهِ إِلَى الْأَبَدِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ ،
[ ص: 411 ] فَنَسْخُهُ بِالْآحَادِ إِنَّمَا نَفَى اسْتِمْرَارَ حُكْمِهِ ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ ، كَمَا تَرَى .
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى عَدَمِ التَّغْرِيبِ : حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=31سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ عِنْدَ
أَبِي دَاوُدَ ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009186أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ سَمَّاهَا فَأَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ زَنَتْ ، فَجَلَدَهُ الْحَدَّ ، وَتَرَكَهَا ، وَمَا رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009187أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَكْرِ بْنِ لَيْثٍ أَقَرَّ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، وَكَانَ بِكْرًا فَجَلَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةً ، وَسَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذْ كَذَّبَتْهُ ، فَلَمْ يَأْتِ بِهَا ; فَجَلَدَهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ، قَالُوا : وَلَوْ كَانَ التَّغْرِيبُ وَاجِبًا لَمَا أَخَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَيْضًا : الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009188إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا " الْحَدِيثَ ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ التَّغْرِيبَ مَعَ الْجَلْدِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّغْرِيبَ مَنْسُوخٌ ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ لَا يَنْهَضُ لِمُعَارَضَةِ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي فِيهَا إِقْسَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ جَلْدِ الْبِكْرِ ، وَنَفْيِهِ سَنَةً قَضَاءٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكِتَابِ اللَّهِ .
وَإِيضَاحُ ذَلِكَ : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْسَمَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ قَضَاءٌ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَهَذَا النَّصُّ الصَّحِيحُ بَالِغٌ مِنَ الصَّرَاحَةِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ، مَا لَمْ يَبْلُغْهُ شَيْءٌ آخَرُ يُعَارَضُ بِهِ .
وَقَالَ
الشَّوْكَانِيُّ فِي " نَيْلِ الْأَوْطَارِ " : إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُبَيِّنُ ، وَقَدْ أَقْسَمَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ قَضَاءٌ بِكِتَابِ اللَّهِ ، قَالَ : وَخَطَبَ بِذَلِكَ
عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى رُءُوسِ الْمَنَابِرِ ، وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا ، اهـ مِنْهُ .
وَذَكَرَ مُرَجِّحَاتٍ أُخْرَى مُتَعَدِّدَةً لِوُجُوبِ التَّغْرِيبِ .
وَالْحَاصِلُ : أَنَّ حَدِيثَ
أَبِي دَاوُدَ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=31سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّغْرِيبِ ، وَلَا التَّصْرِيحُ بِعَدَمِهِ ، وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ هُوَ قَبْلَ حَدِيثِ الْإِقْسَامِ ، بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا قَضَاءٌ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ بَعْدَهُ ؟ فَعَلَى أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ الْإِقْسَامُ الْمَذْكُورُ فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْإِقْسَامَ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ ، فَذَلِكَ التَّصْرِيحُ ، بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا قَضَاءٌ بِكِتَابِ اللَّهِ مَعَ الْإِقْسَامِ عَلَى ذَلِكَ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ بِمُحْتَمَلٍ ; وَلَوْ تَكَرَّرَتِ الرِّوَايَاتُ بِهِ تَكَرُّرًا كَثِيرًا ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ الْحَقُّ ، فَالْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عَنْ صَحَابِيَّيْنِ جَلِيلَيْنِ هُمَا :
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ ،
وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ الَّذِي فِيهِ الْإِقْسَامُ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا قَضَاءٌ بِكِتَابِ اللَّهِ ، لَا شَكَّ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى حَدِيثِ
أَبِي دَاوُدَ الَّذِي هُوَ دُونَهُ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ . أَمَّا
[ ص: 412 ] كَوْنُهُ فِي السَّنَدِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي الْمَتْنِ فَلِأَنَّ حَدِيثَ
أَبِي دَاوُدَ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِنَفْيِ التَّغْرِيبِ ، وَالصَّرِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِ الصَّرِيحِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الْأَصَحَّ الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ جَمْعُ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ .
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ الْأَمَةِ فَلَيْسَ بِوَجِيهٍ لِاخْتِلَافِ الْأَمَةِ وَالْأَحْرَارِ فِي أَحْكَامِ الْحَدِّ ، فَهِيَ تُجْلَدُ خَمْسِينَ ، وَلَوْ مُحْصَنَةً ، وَلَا تُرْجَمُ ، وَالْأَحْرَارُ بِخِلَافٍ ذَلِكَ ، فَأَحْكَامُ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ فِي الْحُدُودِ قَدْ تَخْتَلِفُ .
وَقَدْ بَيَّنَتْ آيَةُ " النِّسَاءِ " اخْتِلَافَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي حُكْمِ حَدِّ الزِّنَا مِنْ جِهَتَيْنِ :
إِحْدَاهُمَا : أَنَّهَا صَرَّحَتْ بِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً ، فَعَلَيْهَا الْجَلْدُ لَا الرَّجْمُ .
وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ عَلَيْهَا نِصْفَهُ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [ 4 \ 25 ] ، فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَإِذَا أُحْصِنَّ ، وَقَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ، يَظْهَرُ لَكَ مَا ذَكَرْنَا .
وَمِمَّا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ الْأَصَحَّ الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ هُوَ وُجُوبُ تَغْرِيبِ الْبِكْرِ سَنَةً مَعَ جَلْدِهِ مِائَةً لِصَرَاحَةِ الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .