الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 338 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إنا أنزلنا التوراة فيها بيان ما سألك هؤلاء اليهود عنه من حكم الزانيين المحصنين

"ونور " ، يقول : فيها جلاء ما أظلم عليهم ، وضياء ما التبس من الحكم "يحكم " بها النبيون الذين أسلموا " ، يقول : يحكم بحكم التوراة في ذلك ، أي : فيما احتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه من أمر الزانيين"النبيون الذين أسلموا " ، وهم الذين أذعنوا لحكم الله وأقروا به .

وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ، في حكمه على الزانيين المحصنين من اليهود بالرجم ، وفي تسويته بين دم قتلى النضير وقريظة في القصاص والدية ، ومن قبل محمد من الأنبياء يحكم بما فيها من حكم الله ، كما : -

12006 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا " ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم .

12007 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لما أنزلت هذه الآية : نحن نحكم على اليهود وعلى من سواهم من أهل الأديان .

12008 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال ، حدثنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب ، [ ص: 339 ] عن أبي هريرة قال : زنى رجل من اليهود وامرأة ، فقال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى هذا النبي ، فإنه نبي بعث بتخفيف ، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا : "فتيا نبي من أنبيائك"!! قال : فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه ، فقالوا : يا أبا القاسم ، ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة ، حتى أتى بيت مدراسهم ، فقام على الباب فقال : أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا : يحمم ويجبه ويجلد " والتجبيه " ، أن يحمل الزانيان على حمار ، تقابل أقفيتهما ، ويطاف بهما وسكت شاب [ منهم ] ، فلما رآه سكت ، ألظ به النشدة ، فقال : اللهم إذ نشدتنا ، فإنا نجد في التوراة الرجم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ قال : زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا ، فأخر عنه الرجم . ثم زنى رجل [ ص: 340 ] في أسوة من الناس ، فأراد رجمه ، فحال قومه دونه وقالوا : لا ترجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه! فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإني أحكم بما في التوراة! فأمر بهما فرجما قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم : "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا " ، فكان النبي منهم .

12009 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قوله : " يحكم بها النبيون الذين أسلموا " ، النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء ، يحكمون بما فيها من الحق . [ ص: 341 ]

12010 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : " يحكم بها النبيون الذين أسلموا " ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم"للذين هادوا " ، يعني اليهود ، فاحكم بينهم ولا تخشهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية