الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 112 ] آ. (37) قوله تعالى: من ذريتي : يجوز أن يكون المفعول محذوفا، وهذا الجار صفته، أي: أسكنت ذرية من ذريتي. ويجوز أن تكون "من" مزيدة عند الأخفش.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "بواد"، أي: في واد، نحو: هو بمكة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: عند بيتك يجوز أن يكون صفة لـ "واد". وقال أبو البقاء: "ويجوز أن يكون بدلا منه"، يعني أنه يكون بدل بعض من كل، لأن الوادي أعم من حضرة البيت. وفيه نظر، من حيث إن "عند" لا تتصرف.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ليقيموا" يجوز أن تكون هذه اللام لام أمر، وأن تكون لام علة. وفي متعلقها حينئذ وجهان، أحدهما: أنها متعلقة بـ "أسكنت" وهو ظاهر، ويكون النداء معترضا. الثاني: أنها متعلقة بـ "اجنبني"، أي: اجنبهم الأصنام ليقيموا، وفيه بعد.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أفئدة من الناس العامة على "أفئدة" جمع "فؤاد" كغراب وأغربة. وقرأ هشام عن ابن عامر بياء بعد الهمزة، فقيل: إشباع، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2895 - ... ... ... ... يحبك عظم في التراب تريب

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 113 ] أي: ترب، وكقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2896 - أعوذ بالله من العقراب     الشائلات عقد الأذناب

                                                                                                                                                                                                                                      وقد طعن جماعة على هذه القراءة وقالوا: الإشباع من ضرائر الشعر فكيف يجعل في أفصح كلام؟ وزعم بعضهم أن هشاما إنما قرأ بتسهيل الهمزة بين بين، فظنها الراوي زيادة ياء بعد الهمزة، قال: "كما توهم عن أبي عمرو واختلاسه في "بارئكم" و "يأمركم" أنه سكن". وهذا ليس بشيء فإن الرواة أجل من هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ زيد بن علي: "إفادة" بزنة "رفادة"، وفيها وجهان، أحدهما: أن يكون مصدرا لأفاد كأقام إقامة، أي: ذوي إفادة، وهم الناس الذين ينتفع بهم. والثاني: أن يكون أصلها "وفادة" فأبدلت الواو همزة نحو: إشاح وإعاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأت أم الهيثم "أفودة" بواو مكسورة، وفيها وجهان، أحدهما: أن يكون جمع "فواد" المسهل: وذلك أن الهمزة المفتوحة المضموم ما قبلها يطرد قلبها واوا نحو: جون، ففعل في "فؤاد" المفرد ذلك، فأقرت في الجمع على حالها. والثاني: قال صاحب "اللوامح": "هي جمع وفد". قلت: فكان ينبغي أن يكون اللفظ "أوفدة" بتقديم الواو، إلا أن يقال: إنه [ ص: 114 ] جمع "وفدا" على "أوفدة" ثم قلبه فوزنه أعفلة، كقولهم: آرام في أرآم وبابه، إلا أنه يقل جمع فعل على أفعلة نحو: نجد وأنجدة، ووهي وأوهية. وأم الهيثم امرأة نقل عنها شيء من اللغة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ: "آفدة" بزنة ضاربة، وهي تحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون مقلوبة من أفئدة بتقديم الهمزة على الفاء فقلبت الهمزة ألفا، فوزنها أعفلة كآرام في أرآم.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها اسم فاعل من أفد يأفد، أي: قرب ودنا، والمعنى: جماعة آفدة، أو جماعات آفدة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ: "آفدة" بالقصر، وفيها وجهان أيضا، أحدهما: أن يكون اسم فاعل على فعل كفرح فهو فرح. والثاني: أن تكون محففة من "أفئدة". بنقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وحذف الهمزة.

                                                                                                                                                                                                                                      و "من الناس" في "من" وجهان، أحدهما: أنها لابتداء الغاية. قال الزمخشري : ويجوز أن تكون "من" لابتداء الغاية كقولك: "القلب مني سقيم" تريد: قلبي، كأنه قيل: أفئدة ناس، وإنما نكرت المضاف في هذا التمثيل لتنكير "أفئدة" لأنها في الآية نكرة، ليتناول بعض الأفئدة. قال الشيخ: "ولا يظهر كونها للغاية; لأنه ليس لنا فعل يبتدأ فيه بغاية ينتهي إليها، إذ لا يصح جعل ابتداء الأفئدة من الناس". [ ص: 115 ] والثاني: أنها للتبعيض، وفي التفسير: لو لم يقل "من الناس" لحج الناس كلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "تهوي" هذا هو المفعول الثاني للجعل. والعامة "تهوي" بكسر العين بمعنى: تسرع وتطير شوقا إليهم. قال:


                                                                                                                                                                                                                                      2897 - وإذا رميت به الفجاج رأيته     يهوي مخارمها هوي الأجدل

                                                                                                                                                                                                                                      وأصله أن يتعدى باللام، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2898 - حتى إذا ما هوت كف الغلام لها     طارت وفي كفه من ريشها بتك

                                                                                                                                                                                                                                      وإنما عدي بـ "إلى" لأنه ضمن معنى "تميل"، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2899 - تهوي إلى مكة تبغي الهدى     ما مؤمن الجن كأنجاسها

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أمير المؤمنين علي وزيد بن علي ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ومجاهد بفتح الواو، وفيه قولان، أحدهما: أن "إلى" زائدة، أي: تهواهم. والثاني: أنه ضمن معنى تنزع وتميل، ومصدر الأول على "هوي"، كقوله: [ ص: 116 ]

                                                                                                                                                                                                                                      2900 - ... ... ... ...     يهوي مخارمها هوي الأجدل

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني على "هوى". وقال أبو البقاء: "معناهما متقاربان إلا أن هوى يعني بفتح الواو - متعد بنفسه، وإنما عدي بإلى حملا على تميل".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ مسلمة بن عبد الله: "تهوى" بضم التاء وفتح الواو مبنيا للمفعول من "أهوى" المنقول من "هوي" اللازم، أي: يسرع بها إليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية