الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2441 باب الترغيب في سكنى المدينة، والصبر على لأوائها

                                                                                                                              وهو في النووي في: (باب فضل المدينة، ودعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها بالبركة ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص149 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي سعيد (مولى المهري ) ; أنه جاء أبا سعيد الخدري "ليالي الحرة"، فاستشاره في الجلاء من المدينة. وشكا إليه أسعارها، وكثرة عياله. وأخبره: أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها. فقال له: ويحك! لا آمرك بذلك. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصبر أحد على لأوائها فيموت، إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة، إذا كان مسلما" . ]

                                                                                                                              [ ص: 64 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 64 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي سعيد "مولى المهري" ; أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة ) يعني: الفتنة المشهورة، التي نهبت فيها المدينة، سنة ثلاث وستين.

                                                                                                                              (فاستشاره في الجلاء من المدينة ). بفتح الجيم والمد. وهو الفرار من بلد إلى غيره.

                                                                                                                              (وشكا إليه أسعارها، وكثرة عياله. وأخبره: أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها. فقال له: ويحك! لا آمرك بذلك. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصبر أحد على لأوائها فيموت، إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة، إذا كان مسلما". ).

                                                                                                                              ومثله في المعنى: حديث يحنس "مولى الزبير"، (أخبره: أنه كان جالسا عند عبد الله بن عمر في الفتنة. فأتته مولاة له تسلم عليه. فقالت: إني أردت الخروج، يا أبا عبد الرحمن! اشتد علينا الزمان. فقال لها عبد الله: اقعدي لكاع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ ص: 65 ] "لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد، إلا كنت له شهيدا أو شفيعا، يوم القيامة". ).

                                                                                                                              وفي الحديث: حث على سكنى المدينة لما فيه من الفضل، ودلالات ظاهرة على فضل الصبر على شدائدها، وضيق العيش فيها، وأن هذا الفضل باق مستمر إلى يوم القيامة.

                                                                                                                              قال النووي: اختلف العلماء في المجاورة بمكة والمدينة ;

                                                                                                                              فقال أبو حنيفة وطائفة: تكره المجاورة بمكة.

                                                                                                                              وقال أحمد وطائفة: لا تكره بل تستحب، وإنما كرهها من كرهها لأمور ; منها: خوف الملل، وقلة الحرمة للأنس، وخوف ملابسة الذنوب، فإن الذنب فيها أقبح منه في غيرها. كما أن الحسنة فيها أعظم منها في غيرها.

                                                                                                                              واحتج من استحبها ; بما يحصل فيها من الطاعات، التي لا تحصل بغيرها، وتضعيف الصلوات والحسنات، وغير ذلك.

                                                                                                                              قال: والمختار: أن المجاورة بهما جميعا مستحبة، إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في المحذورات المذكورة. وقد جاورتهما خلائق لا يحصون: من سلف الأمة وخلفها، ممن يقتدى به.

                                                                                                                              وينبغي للمجاور: الاحتراز عن المحذورات وأسبابها. انتهى.

                                                                                                                              اللهم! ارزقنا مجاورة الحرمين، وأمتنا في أحدهما على كلمة الإسلام العليا بلا مين. إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.




                                                                                                                              الخدمات العلمية