الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حبك ]

                                                          حبك : الحبك : الشد . واحتبك بإزاره : احتبى به وشده إلى يديه . والحبكة : أن ترخي من أثناء حجزتك من بين يديك لتحمل فيه الشيء ما كان ، وقيل : الحبكة الحجزة بعينها ، ومنها أخذ الاحتباك بالباء ، وهو شد الإزار . وحكي عن ابن المبارك أنه قال : جعلت سواك في حبكي أي في حجزتي . وتحبك : شد حجزته . وتحبكت المرأة بنطاقها : شدته في وسطها . وروي عن عائشة : أنها كانت تحتبك تحت درعها في الصلاة أي تشد الإزار وتحكمه ؛ قال أبو عبيد : قال الأصمعي الاحتباك الاحتباء ولكن الاحتباك شد الإزار وإحكامه أراد أنها كانت لا تصلي إلا مؤتزرة ؛ قال الأزهري : الذي رواه أبو عبيد عن الأصمعي في الاحتباك أنه الاحتباء غلط ، والصواب الاحتياك بالياء ؛ يقال : احتاك يحتاك احتياكا . وتحوك بثوبه إذا احتبى به ، قال : هكذا رواه ابن السكيت وغيره عن الأصمعي ، بالياء ، قال : والذي يسبق إلى وهمي أن أبا عبيد كتب هذا الحرف عن الأصمعي بالياء ، فزل في النقط وتوهمه باء ، قال : والعالم وإن كان غاية في الضبط والإتقان فإنه لا يكاد يخلو من خطئه بزلة ، والله أعلم . ولقد أنصف الأزهري ، رحمه الله ، فيما بسطه من هذه المقالة فإنا نجد كثيرا من أنفسنا ومن غيرنا أن القلم يجري فينقط ما لا يجب نقطه ، ويسبق إلى ضبط ما لا يختاره كاتبه ، ولكنه إذا قرأه بعد ذلك أو قرئ عليه تيقظ له ، وتفطن لما جرى به فاستدركه ، والله أعلم . والحبكة : الحبل يشد به على الوسط . والتحبيك : التوثيق . وقد حبكت العقدة أي وثقتها . والحباك : أن يجمع خشب كالحظيرة ثم يشد في وسطه بحبل يجمعه ؛ قال الأزهري : الحباك الحظيرة بقصبات تعرض ثم تشد تقول : حبكت الحظيرة بقصبات كما تحبك عروش الكرم بالحبال . والحبكة والحباك القدة التي تضم الرأس إلى الغراضيف من القتب والرحل ، وقد ذكرتا بالنون ؛ عن أبي عبيد ؛ قال ابن سيده : وأراه منه سهوا ، والجمع حبك وحبك ، فحبك جمع حبكة ، وحبك جمع حباك . وحبك الرمل : حروفه وأسناده واحدها حباك ، وكذلك حبك الماء ، والشعر الجعد المتكسر ؛ قال زهير بن أبي سلمى يصف ماء :


                                                          مكلل بعميم النبت تنسجه ريح خريق ، لضاحي مائه حبك



                                                          والحبيكة : كل طريقة من خصل الشعر أو البيضة ، والجمع حبيك وحبائك وحبك كسفينة وسفين وسفائن وسفن . الجوهري : الحبيكة الطريقة في الرمل ونحوه . الأزهري : وحبيك البيض للرأس طرائق حديده ؛ وأنشد :


                                                          والضاربون حبيك البيض إذ لحقوا     لا ينكصون ، إذا ما استلحموا وحموا



                                                          قال : وكذلك طرائق الرمل فيما تحبكه الرياح إذا جرت عليه . وفي الحديث في صفة الدجال : " رأسه حبك " ، أي شعر رأسه متكسر من الجعودة مثل الماء الساكن أو الرمل إذا هبت عليهما الريح فيتجعدان ويصيران طرائق ؛ وفي رواية أخرى : " محبك الشعر " بمعناه . وحبك السماء : طرائقها . وفي التنزيل : والسماء ذات الحبك يعني طرائق النجوم واحدتها حبيكة والجمع كالجمع . وقال الفراء في قوله : والسماء ذات الحبك قال : الحبك تكسر كل شيء كالرملة إذا مرت عليها الريح الساكنة ، والماء القائم إذا مرت به الريح ، والدرع من الحديد لها حبك أيضا ، قال : والشعرة الجعدة تكسرها حبك ، قال : وواحد الحبك حباك وحبيكة ؛ وقال الجوهري : جمع الحبيكة حبائك ، وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : والسماء ذات الحبك الخلق الحسن قال أبو إسحاق : وأهل اللغة يقولون : ذات الطرائق الحسنة ؛ وفي حديث عمرو بن مرة يمدح النبي ، صلى الله عليه وسلم : [ ص: 20 ]


                                                          لأصبحت خير الناس نفسا ووالدا     رسول مليك الناس فوق الحبائك



                                                          الحبائك : الطرق ، واحدتها حبيكة ، يعني بها السماوات لأن فيها طرق النجوم . والمحبوك : ما أجيد عمله . والمحبوك : المحكم الخلق ، من حبكت الثوب إذا أحكمت نسجه . قال شمر : ودابة محبوكة إذا كانت مدمجة الخلق ، قال : وكل شيء أحكمته وأحسنت عمله ، فقد احتبكته . وفرس محبوك المتن والعجز : فيه استواء مع ارتفاع ؛ قال أبو داود يصف فرسا :


                                                          مرج الدهر ، فأعددت له     مشرف الحارك ، محبوك الكتد



                                                          ويروى : مرج الدين . الأزهري عن الليث : إنه لمحبوك المتن والعجز إذا كان فيه استواء مع ارتفاع ؛ وأنشد :


                                                          على كل محبوك السراة ، كأنه     عقاب هوت من مرقب وتعلت



                                                          قال وقال غيره : فرس محبوك الكفل أي مدمجه ؛ وأنشد بيت لبيد على هذه الصورة :


                                                          مشرف الحارك محبوك الكفل



                                                          قال : ويقال للدابة إذا كان شديد الخلق محبوك . والمحبوك : الشديد الخلق من الفرس وغيره . وجاد ما حبكه إذا أجاد نسجه . وحبك الثوب يحبكه ويحبكه حبكا : أجاد نسجه وحسن أثر الصنعة فيه . وثوب حبيك : محبوك ، وكذلك الوتر ؛ أنشد ابن الأعرابي لأبي العارم :


                                                          فهيأت حشرا كالشهاب يسوقه     ممر حبيك ، عاونته الأشاجع



                                                          وحبكه بالسيف حبكا : ضربه على وسطه ، وقيل : هو إذا قطع اللحم فوق العظم ، قال ابن الأعرابي : حبكه بالسيف يحبكه ويحبكه حبكا ضرب عنقه ، وقيل : هو ضرب في اللحم دون العظم ، وقيل : ضربه به . وحبك عروش الكرم : قطعها . والحبك والحبكة جميعا : الأصل من أصول الكرم . والحبكة : الحبة من السويق . قال الليث : يقال ما ذقنا عنده حبكة ولا لبكة ، قال : وبعض يقول عبكة ، قال : والعبكة والحبكة من السويق ، واللبكة اللقمة من الثريد ؛ قال الأزهري : ولم نسمع حبكة بمعنى عبكة لغير الليث ، قال : وقد طلبته في باب العين والحاء لأبي تراب فلم أجده ، والمعروف : ما في نحيه عبكة ولا عبقة أي لطخ من السمن أو الرب ، من عبق به وعبك به أي لصق به .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية