الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2444 [ ص: 66 ] باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص150 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عائشة ; قالت: قدمنا المدينة (وهي وبيئة )، فاشتكى أبو بكر، واشتكى بلال. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوى أصحابه، قال: "اللهم حبب إلينا المدينة، كما حببت مكة أو أشد. وصححها. وبارك لنا في صاعها ومدها. وحول حماها إلى الجحفة" . ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة ) رضي الله عنها ; (قالت: قدمنا المدينة وهي وبيئة ). بهمزة ممدودة. يعني: ذات وباء. بالمد والقصر.

                                                                                                                              وهو الموت الذريع. هذا أصله. ويطلق أيضا على الأرض الوخمة، التي تكثر بها الأمراض. لا سيما للغرباء، الذين ليسوا مستوطنيها.

                                                                                                                              فإن قيل: كيف قدموا على الوباء، وفي الحديث الصحيح الآخر: النهي عن القدوم عليه ؟ فالجواب من وجهين، ذكرهما القاضي، وحكى عنه النووي ; [ ص: 67 ] أحدهما: أن هذا القدوم كان قبل النهي، لأن النهي كان في المدينة بعد استيطانها.

                                                                                                                              والثاني: أن المنهي عنه، هو القدوم على الوباء الذريع، والطاعون. وأما هذا الذي كان في المدينة، فإنما كان "وخما مرض بسببه كثير من الغرباء. والله أعلم.

                                                                                                                              (فاشتكى أبو بكر، واشتكى بلال. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوى أصحابه، قال: "اللهم! حبب إلينا المدينة، كما حببت مكة أو أشد" ) أي: أزيد منها في المحبة والوداد.

                                                                                                                              (وصححها ). واذهب بأمراضها وأسقامها.

                                                                                                                              (وبارك لنا في صاعها ومدها. وحول حماها إلى الجحفة ).

                                                                                                                              قال الخطابي وغيره: كان ساكنوا الجحفة في ذلك الوقت يهودا.

                                                                                                                              ففيه: دليل للدعاء على الكفار بالأمراض والأسقام والهلاك.

                                                                                                                              وفيه: الدعاء للمسلمين بالصحة، وطيب بلادهم والبركة فيها، وكشف الضر والشدائد عنهم.

                                                                                                                              قال النووي: وهذا مذهب العلماء كافة.

                                                                                                                              قال عياض: وهذا خلاف قول بعض المتصوفة: إن الدعاء قدح في التوكل والرضاء. وإنه ينبغي تركه. وخلاف قول المعتزلة: إنه لا فائدة في الدعاء مع سبق القدر.

                                                                                                                              [ ص: 68 ] قال ومذهب العلماء كافة: أن الدعاء عبادة مستقلة. ولا يستجاب منه إلا ما سبق به القدر. والله أعلم. انتهى.

                                                                                                                              قلت: قد تظاهرت الأدلة الكثيرة الصحيحة، المحكمة الصريحة، من الكتاب والسنة: في الأمر بالدعاء له ولإخوانه، من المسلمين: الأحياء منهم والأموات. ووردت أحاديث في الوعيد لمن لا يدعو، وفي غضب الله سبحانه على من لا يسأل. وهي معروفة في دواوين الإسلام ; لا سيما كتب الدعوات. فإنكاره إنكار لما ثبت ثبوتا متواترا، من القرآن والحديث. وقد أمرنا بهذا وفعله: من كان في أعلى مرتبة من التوكل والرضاء، وأرفع درجة من التسليم للقدر والقضاء. فما معنى قول القائل: إنه قدح في ذلك ؟

                                                                                                                              وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.


                                                                                                                              وهذا الحق ليس به خفاء فدعني عن بنيات الطريق

                                                                                                                              .




                                                                                                                              الخدمات العلمية