الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            باب بيع الأصول والثمار والرخصة في العرايا .

                                                            عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع وعن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع قال البيهقي هكذا رواه سالم وخالفه نافع فروى قصة النخل عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقصة العبد عن ابن عمر عن عمر قال مسلم والنسائي والدارقطني القول ما قال نافع ، وإن كان سالم أحفظ منه وذكر الترمذي عن البخاري أن حديث سالم أصح، وذكر في العلل أنه سأل البخاري عنه قال فكأنه رأى الحديثين صحيحين، وأنه يحتمل عنهما جميعا ورواه النسائي من رواية نافع ورفع القصتين ورواه أيضا من رواية نافع وسالم عن ابن عمر عن عمر مرفوعا بالقصتين .

                                                            التالي السابق


                                                            (باب بيع الأصول والثمار والرخصة في العرايا) .

                                                            (الحديث الأول)

                                                            عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من باع نخلا قد أبرت فثمرتها [ ص: 117 ] للبائع إلا أن يشترط المبتاع وعن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع ومن باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع . (فيه فوائد):

                                                            (الأولى) أخرجه من الطريق الأولى الأئمة الستة خلا الترمذي من هذا الوجه من طريق مالك ، وأخرجه من الطريق الثانية الأئمة الستة فرواه من هذا الوجه مسلم ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق سفيان بن عيينة ، وأخرجه الشيخان والترمذي وابن ماجه من حديث الليث بن سعد ، وأخرجه مسلم فقط من رواية يونس بن يزيد والنسائي من رواية معمر أربعتهم عن الزهري عن سالم عن أبيه..

                                                            واعلم أن قصة العبد رواها نافع عن ابن عمر عن عمر من قوله كذا روى عنه مالك في الموطإ ومن طريق أبي داود في سننه قال ابن عبد البر وهذا أحد الأربعة التي اختلف فيها سالم ونافع عن ابن عمر وقال البيهقي هكذا رواه سالم وخالفه نافع فروى قصة النخل عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقصة العبد عن ابن عمر عن عمر ثم رواه من طريق مالك كذلك قال، وكذلك رواه أيوب السختياني وغيره عن نافع. انتهى.

                                                            واختلف الأئمة في الأرجح من روايتي نافع وسالم على أقوال:

                                                            (أحدها) ترجيح رواية نافع روى البيهقي في سننه عن مسلم والنسائي أنهما سئلا عن اختلاف سالم [ ص: 118 ] ونافع في قصة العبد فقالا القول ما قال نافع ، وإن كان سالم أحفظ منه وقال النووي في شرح مسلم أشار النسائي والدارقطني إلى ترجيح رواية نافع وهذه إشارة مردودة.

                                                            (القول الثاني) ترجيح رواية سالم قال الترمذي في جامعه قال محمد بن إسماعيل وحديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح قال والدي - رحمه الله - في شرح الترمذي وسبقه إليه شيخه علي بن المديني وقال ابن عبد البر في التمهيد: إنه الصواب فإنه كذلك رواه عبد الله بن دينار عن ابن عمر برفع القصتين معا وهذا مرجح لرواية سالم .

                                                            (القول الثالث) تصحيحهما معا قال الترمذي في العلل سألت محمدا عن هذا الحديث وقلت له: حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبدا) وقال نافع عن ابن عمر عن عمر أيهما أصح ؟ قال: إن نافعا خالف سالما في أحاديث وهذا من تلك الأحاديث روى سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال نافع عن ابن عمر عن عمر كأنه رأى الحديثين صحيحين، وأنه يحتمل عنهما جميعا. قال والدي - رحمه الله - في شرح الترمذي : وليس بين ما نقله عنه في الجامع وما نقله عنه في العلل اختلاف فحكمه على الحديثين بالصحة لا ينافي حكمه في الجامع بأن حديث سالم أصح بل صيغة أفعل تقتضي اشتراكهما في الصحة.

                                                            (قلت) المفهوم من كلام المحدثين في مثل هذا والمعروف من اصطلاحهم فيه أن المراد ترجيح الرواية التي قالوا إنها أصح، والحكم للراجح فتكون تلك الرواية شاذة ضعيفة، والمرجحة هي الصحيحة وحينئذ فبين النقلين تناف لكن [ ص: 119 ] المعتمد ما في الجامع ؛ لأنه مقول بالجزم واليقين بخلاف ما في العلل فإنه على سبيل الظن والاحتمال، والله أعلم.

                                                            على أن ما في العلل هو الذي يمشي على طريقة الفقهاء ؛ لعدم المنافاة بأن يكون ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبيه فرفعه تارة وسمعه كذلك سالم ووقفه تارة، وسمعه كذلك نافع وقال النووي في شرح مسلم لم تقع هذه الزيادة يعني قصة العبد في حديث نافع عن ابن عمر ولا يضر ذلك فسالم ثقة بل هو أجل من نافع فزيادته مقبولة. انتهى.

                                                            وما ذكرناه عن سالم ونافع هو المشهور عنهما وروي عن نافع رفع القصتين رواه النسائي من رواية شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن نافع عن ابن عمر فذكر القصتين مرفوعتين قال شعبة فحدثه بحديث أيوب عن نافع أنه حدثني بالنخل عن النبي صلى الله عليه وسلم والمملوك عن عمر فقال عبد ربه لا أعلمها جميعا إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال مرة أخرى فحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشك ورواه ابن ماجه من رواية شعبة أيضا مختصرا (من باع نخلا ومن باع عبدا) جميعا ولم يذكر قصة أيوب . ورواه النسائي أيضا من رواية محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن عمر مرفوعا بالقصتين، وقال هذا خطأ والصواب حديث ليث بن سعد وعبيد الله ، وأيوب أي عن نافع عن ابن عمر عن عمر بقصة العبد خاصة موقوفة ورواه النسائي أيضا من رواية سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر بالقصتين مرفوعا قال أبو الحجاج المزي : والمحفوظ أنه من حديث ابن عمر .

                                                            (الثانية) قال النووي قال أهل اللغة يقال أبرت النخل آبره أبرا بالتخفيف كأكلته آكله أكلا، وأبرته بالتشديد أؤبره تأبيرا كعلمته أعلمه تعليما وهو أن يشق طلع النخلة ليذر فيه شيء من طلع ذكر النخل، والأبار هو شقه سواء حط فيه شيء أم لا.

                                                            (الثالثة) فيه بمنطوقه أن من باع نخلا وعليها ثمرة مؤبرة لم تدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع، وبمفهومه أنها إذا كانت غير مؤبرة دخلت في البيع وكانت للمشتري وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد والليث بن سعد وداود وبقية أهل الظاهر وجمهور العلماء وذهب أبو حنيفة إلى أنها للبائع مطلقا قبل التأبير وبعده.

                                                            وحكاه ابن عبد البر عن الأوزاعي قال النووي [ ص: 120 ] أخذ أبو حنيفة بمنطوقه في المؤبرة وهو لا يقول بدليل الخطاب فألحق غير المؤبرة بالمؤبرة واعترضوا عليه بأن الظاهر يخالف المشتري في حكم التبعية في البيع كما أن الجنين يتبع الأم في البيع ولا يتبعها الولد المنفصل. انتهى.

                                                            وذهب ابن أبي ليلى إلى أنها للمشتري مطلقا قبل التأبير وبعده، وقال النووي : قوله باطل منابذ لصريح السنة ولعله لم يبلغه الحديث ؛ وذكر ابن عبد البر أن الحنفية ردوا هذه السنة بتأويل وردها ابن أبي ليلى جهلا بها.

                                                            (الرابعة) هذا الحكم الذي ذكرناه هو عند إطلاق بيع النخل من غير تعرض للثمرة بنفي ولا إثبات فإن شرطها المشتري بأن قال: اشتريت النخلة بثمرتها كانت للمشتري كما هو نص الحديث، وإن شرطها البائع لنفسه فيما إذا كان قبل التأبير اتبع شرطه، وكانت للبائع عند الشافعي والأكثرين وقال مالك : لا يجوز شرطها للبائع.

                                                            (الخامسة): استدل بقوله (إلا أن يشترط المبتاع) بدون ضمير على أن المشتري لو لم يشترط لنفسه جميع الثمرة المؤبرة بل بعضها كأن يشترط نصفها أو ربعها أو نحو ذلك اتبع شرطه وكأنه قال إلا أن يشترط المبتاع شيئا من ذلك وبه قال أشهب كما حكاه عنه ابن عبد البر .

                                                            قال: وهو قول جمهور الفقهاء، وقال ابن القاسم : لا يجوز له شرط بعضها بل إما أن يشترط لنفسه جميعها أو يسكت عنه .



                                                            (السادسة) اختلف العلماء فيما إذا باع نخلا عليه ثمرة قد أبر بعضها دون بعض فقال الشافعية الجميع للبائع إن كان ذلك في نخلة واحدة وكذا إن كان في نخلات بشرطين:

                                                            (أحدهما) اتحاد الصفقة فلو أفرد كلا من المؤبر وغيره بصفقة (فالأصح) أن لكل منهما حكما. و (الثاني) أن الجميع للبائع اكتفاء بوقت التأبير (ثانيهما) اتحاد البستان فلو كان في بساتين أفرد كل بستان بحكم على المذهب ولا يضر اختلاف النوع على أصح الوجهين وقال ابن حامد من الحنابلة كقول الشافعية : إنه إذا أبر البعض كان الكل للبائع لكن الذي نص عليه أحمد أن ما أبر للبائع، وما لم يؤبر للمشتري.

                                                            وقال المالكية : إن أبر الأكثر غلب حكمه على الباقي فيكون الجميع للبائع، وإن أبر الأقل غلب حكمه فيكون الجميع للمشتري، وإن أبر النصف ففيه خلاف والأظهر عندهم أن الجميع للمشتري كذا نقل ابن عبد البر في [ ص: 121 ] التمهيد لكن الذي نقله ابن شاس وابن الحاجب أنه إذا أبر النصف فما دونه فلكل منهما حكمه. وعبارة ابن شاس لو تأبر شطر الثمار حكم بانقطاع التبعية فيه دون الشطر الذي لم يؤبر، وإن تأبر أكثرها حكم بانقطاع التبعية في الكل وروي أن غير المؤبر تبع، وإن كان الأقل. انتهى.

                                                            فمن جعل غير المؤبر تبعا للمؤبر قال: إنه إذا أبر بعض ثمرة النخل المبيعة صدق في العرف أنه باع نخلا قد أبرت ومن قال لا يتبع قال ما لم يؤبر غير مؤبر فمن سماه مؤبرا فليس حقيقة بل هو مجاز بدليل صحة نفيه ومن جعل الحكم للأكثر غلب. .

                                                            (السابعة) لو لم تؤبر النخلة بل تأبرت هي وتشققت بنفسها وظهرت الكيزان منها كان كما لو أبرت فيكون عند الإطلاق للبائع صرح به الفقهاء من أصحابنا وغيرهم. وقال ابن عبد البر : لم يختلف العلماء فيه. انتهى.

                                                            وذكر التأبير خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له ومقتضى كلام ابن حزم الظاهري في هذه الصورة أنها تكون للبائع ولا يصح أن يشترطها المشتري. فقال: ولو ظهرت ثمرة بغير إبار لم يحل اشتراطها أصلا ؛ لأنه خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. وما أدري لم أعمل قوله قد أبرت في إخراج الظاهرة من غير تأبير بالنسبة إلى الاشتراط، ولم يعمله بالنسبة لكونها للمشتري فإن مقتضى قوله قد أبرت أنها إذا لم تؤبر بل تأبرت بنفسها أنها تكون للمشتري.

                                                            (الثامنة) ادعى ابن حزم الظاهري أنه لا يجوز للمشتري في المؤبر اشتراط الثمرة إلا إن كان المبيع ثلاث نخلات فأكثر فإن كان المبيع نخلة أو نخلتين لم يجز له اشتراط ثمرتها ؛ لأن أقل ما يقع عليه اسم نخل ثلاث فصاعدا وفيه ما تقدم أنه كان مقتضى جموده على الظاهر أن لا يجعل الثمرة المؤبرة للبائع إذا كان المبيع نخلة أو نخلتين ؛ لأن الشارع إنما جعلها له إذا كان المبيع نخلا فعدل عن هذا وجعل الثمرة المؤبرة له مطلقا قل المبيع أو كثر ولم يجعل التقييد بالنخل إلا في اشتراط المشتري الثمرة خاصة، وما أدرى لم جعل هذا قيدا في الوصف والاستثناء، ولم يجعله قيدا في الأصل وليس هذا مقتضى الجمود. وأما مقتضى الفقه وفهم المعنى فهو أن الظاهر النادر في حكم المفرد فلا يدخل في البيع عند الإطلاق، ويدخل بالشرط قل أو كثر والمعنى إذا فهم لم يجز الجمود على الألفاظ إلا عند من لا تحقيق له وليس هذا من باب [ ص: 122 ] القياس بل اللفظ في العرف يتناول القليل من ذلك والكثير والعرف في مثل هذا مقدم على الجمود على مقتضى اللغة والله أعلم.



                                                            (التاسعة) وفيه جواز الإبار للنخل وغيره من الثمار وقد أجمعوا على جوازه قاله النووي . .

                                                            (العاشرة) جعل بعض الشافعية مفهوم هذا الحديث وهو أن غير المؤبرة للمشتري خاصا بإناث النخل وقال إن ثمرة الذكور للبائع ولو كانت غير متشققة ؛ لأنها تقصد للقطع والأكل وهي كذلك فأشبهت المؤبرة من الإناث والأصح عندهم أنها للمشتري عملا بمفهوم الحديث .



                                                            (الحادية عشرة) نص الحديث في النخل وفهم الفقهاء منه حكم ما عداه فقالوا: إذا باع شجرة مثمرة فإن كانت الثمرة قد ظهرت أو بعضها فالكل للبائع، وإن لم يظهر منها شيء فهي للمشتري، واقتصاره في الحديث على ثمرة النخل إما لكونه كان الغالب بالمدينة أو خرج جوابا لسؤال. ووافق الظاهرية غيرهم في أن الظاهر من الثمار للبائع لكنهم قالوا لا يصح أن يشترطه المشتري ؛ لأن الاشتراط إنما جاء النص به في ثمرة النخل والقياس عندهم باطل، وقد يقال كان مقتضى الجمود على الظاهر أن يكون ثمرة غير النخل الظاهر للمشتري ؛ لأنها داخلة في اسم الشجرة وكونه يمتنع بيعها قبل بدو الصلاح بدون شرط القطع لا ينافي اندراجها تبعا ؛ لأنه يغتفر في التبعية ما لا يغتفر في الاستقلال .



                                                            (الثانية عشرة) اختلف أصحابنا الشافعية في مسألة وهي ما لو باع نخلة وبقيت الثمرة له لكونها ظاهرة ثم خرج طلع آخر من تلك النخلة أو من أخرى حيث يقتضي الحال اشتراكهما في الحكم فقال ابن أبي هريرة هو للمشتري.

                                                            وقال الجمهور هو للبائع ولكل من القولين متعلق من الحديث فالجمهور يقولون جعل الشرع ثمرة المؤبرة للبائع وهذا من ثمرة المؤبرة وابن أبي هريرة يقول إنما جعل له ما وجد وظهر فأما ما لم يوجد فقد حدث على ملك المشتري وهو أقيس والأول أسعد بالحديث، وأقرب إليه والله أعلم .



                                                            (الثالثة عشرة) فيه أنه إذا باع عبدا وعليه ثيابه لم تدخل في البيع بل تستمر على ملك البائع إلا أن يشترطها المشتري لاندراج الثياب تحت قوله عليه الصلاة والسلام (وله مال) وهذا أصح الأوجه عند أصحابنا الشافعية . و (الوجه الثاني) أنها تدخل. و (الثالث) يدخل ساتر العورة فقط [ ص: 123 ] وقال المالكية تدخل ثياب المهنة التي عليه.

                                                            وقال الحنابلة : يدخل ما عليه من اللباس المعتاد .



                                                            (الرابعة عشرة) فيه أن العبد إذا ملكه سيده مالا ملكه لكنه إذا باعه بعد ذلك كان ماله للبائع إلا أن يشترط المشتري كونه له وبهذا قال مالك وأحمد وهو قول الشافعي في القديم وقال في الجديد: لا يملك العبد شيئا أصلا وبه قال أبو حنيفة وهو رواية عن أحمد وتأولوا الحديث على أن المراد أن يكون في العبد شيء من مال السيد فأضيف ذلك المال إلى العبد للاختصاص والانتفاع لا للملك كما يقال جل الدابة وسرج الفرس. قالوا: فإذا باع السيد العبد فذلك للبائع ؛ لأنه ملكه إلا أن يشترطه المبتاع فيصح ؛ لأنه يكون قد باع شيئين العبد والمال الذي في يده بثمن واحد وذلك جائز وقال الحسن البصري والشعبي مال العبد تبع له في البيع لا يحتاج مشتريه فيه إلى اشتراط حكاه ابن عبد البر وقال: وهذا قول مردود بالسنة لا يعرج عليه، وحكاه ابن حزم عنهما وعن شريح وإبراهيم النخعي وقال: لا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                            (الخامسة عشرة) قال مالك يجوز أن يشترط المشتري مال العبد، وإن كان دراهم أو دنانير، والثمن دنانير. أو حنطة والثمن حنطة لإطلاق الحديث وحكاه ابن عبد البر عن الشافعي في القديم، وعن أبي ثور وقال به أهل الظاهر وقال أبو حنيفة والشافعي لا يصح البيع في هذه الصورة لما فيه من الربا وهو من قاعدة مد عجوة ولا يصح التمسك بهذا الحديث على الصحة في هذه الصورة ؛ لأنه قد علم بطلانها من دليل آخر فلا بد من الاحتراز فيه عن الربا وكأن مالكا لم يجعل لهذا المال حصة من الثمن.

                                                            (السادسة عشرة) ظاهر قوله في مال العبد إلا أن يشترط المبتاع أنه لا فرق بين أن يكون معلوما له أم لا لكن القياس يقتضي أنه لا يصح الشرط إذا لم يكن معلوما وقد قال المالكية : وأهل الظاهر أنه يصح اشتراطه ولو كان مجهولا وكذا قال الحنابلة إن فرعنا على أن العبد يملك بتمليك السيد صح الشرط، وإن كان المال مجهولا، وإن فرعنا على أنه لا يملك اعتبر علمه وسائر شروط البيع إلا إذا كان قصده العبد لا المال فلا يشترط ومقتضى مذهب الشافعي وأبي حنيفة أنه لا بد أن يكون معلوما وكذا [ ص: 124 ] نقله ابن حزم عنهما.

                                                            (السابعة عشرة) استدل بقوله: (إلا أن يشترط المبتاع) بدون ضمير على أنه يصح أن يشترط المشتري بعض مال العبد إما شيء معين، وإما جزء من المال كالنصف والثلث ونحوهما كما تقدم نظيره في ثمرة النخل ، وهو مقتضى مذهب الشافعي والجمهور، وقال به ابن حزم الظاهري قال ومنع من ذلك مالك وأبو سفيان وقالا لا يجوز أن يشترط إلا الجميع أو يدع. .

                                                            (الثامنة عشرة) الجارية في ذلك كالعبد وهذا متفق عليه حتى من أهل الظاهر وقال ابن حزم لفظ العبد يقع في اللغة العربية على جنس العبد والإماء ؛ لأن العرب تقول عبد وعبدة والعبد اسم للجنس كما تقول الإنسان والفرس والحمار .




                                                            الخدمات العلمية