الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : وإذا حلف بالمشي إلى بيت الله تعالى فحنث فعليه حجة أو عمرة استحسانا ، وفي القياس لا شيء عليه ; لأن الالتزام بالنذر إنما يصح فيما يكون من جنسه واجبا شرعا ، والمشي إلى بيت الله تعالى ليس من جنسه واجب شرعا فلا يصح الالتزام بالنذر توضيحه أن الالتزام باللفظ ، ولم يلزمه ما تلفظ به بالاتفاق وهو المشي فلأن لا يلزمه ما لم يتلفظ به من الحج والعمرة أولى ، ولكنا تركنا القياس بحديث علي رضي الله عنه ، قال فيمن نذر المشي إلى بيت الله تعالى فعليه حجة أو عمرة . والعرف الظاهر بين الناس أنهم يذكرون هذا اللفظ ويريدون به التزام النسك ، واللفظ إذا صار عبارة عن غيره مجازا سقط اعتبار حقيقته ويجعل [ ص: 131 ] كأنه تلفظ بما صار عبارة عنه ، ولأنه لا يتوصل إلى بيت الله تعالى إلا بالإحرام فكأنه التزم الإحرام بهذا اللفظ ، والإحرام لأداء أحد النسكين إما الحج أو العمرة فكأنه التزم بهذا اللفظ ما يخرج به عن الإحرام فلهذا يلزمه حجة أو عمرة ويمشي فيها كما التزم فإذا ركب أراق دما لحديث { عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه حيث قال : يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج ماشية فقال صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى غني عن تعذيب أختك مرها فلتركب ولترق دما } ، ولأن الحج ماشيا أفضل فإن الله تعالى قدم المشاة على الركبان ، فقال { يأتوك رجالا ، وعلى كل ضامر } ، ولهذا كان ابن عباس رضي الله تعالى عنه بعد ما كف بصره يتأسف على تركه الحج ماشيا .

{ والحسن بن علي رضي الله تعالى عنه كان يمشي في طريق الحج والجنائب تقاد بجنبه فقيل له : ألا تركب فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من مشى في طريق الحج كتب الله له بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم ، قيل : وما حسنات الحرم قال : الواحدة بسبعمائة ضعف } فإذا ثبت أن المشي أفضل قلنا : إذا ركب فقد أدى أنقص مما التزم فعليه لذلك دم فإن قيل كيف يستقيم هذا ، وقد كره أبو حنيفة رحمه الله تعالى المشي في طريق الحج قلنا لا كذلك ، وإنما كره الجمع بين الصوم والمشي ، وقال : إذا جمع بينهما ساء خلقه فجادل رفيقه ، والجدال منهي عنه فإن اختار المشي فالصحيح من المذهب أنه يلزمه المشي من بيته ، وقال بعض أصحابنا - رحمهم الله تعالى - : يلزمه المشي من الميقات ; لأنه التزم المشي في النسك ، وذلك عند إحرامه من الميقات ، ولكن العادة الظاهرة أن الناس بهذا اللفظ يقصدون المشي من بيوتهم ، وقد قال علي وابن مسعود رضي الله عنهما في قوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } قال : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك فميقات الرجل في الإحرام منزله ، ولكن يرخص له في تأخير الإحرام إلى الميقات ، ولو أحرم من بيته لا إشكال أنه يمشي من بيته . فكذلك إذا أخر الإحرام قلنا : يمشي من بيته كما التزم ثم لا يركب إلى أن يطوف طواف الزيارة ; لأن تمام الخروج من الإحرام به يحصل فإن تمام التحلل في حق النساء إنما يحصل بالطواف . وإذا اختار العمرة مشى إلى أن يحلق فإن قرن بهذه العمرة حجة الإسلام أجزأه ; لأن القارن يأتي بكل واحد من النسكين بكماله فنسك العمرة التزمه بالنذر والحج حجة الإسلام ، وقد أداهما بصفة الكمال فعليه دم القران لذلك ، وإن كان ركب فعليه دم لركوبه مع دم القران

التالي السابق


الخدمات العلمية