الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (43) قوله تعالى: مهطعين مقنعي رءوسهم : حالان من المضاف المحذوف; إذ التقدير: أصحاب الأبصار، إذ يقال: شخص زيد بصره، أو تكون الأبصار دلت على أربابها فجاءت الحال من المدلول عليه، قالهما أبو البقاء. وقيل: "مهطعين" منصوب بفعل مقدر، أي: يبصرهم مهطعين. ويجوز في "مقنعي" أن يكون حالا من الضمير في "مهطعين" فتكون حالا متداخلة. وإضافة "مقنعي" غير حقيقية فلذلك وقعت حالا.

                                                                                                                                                                                                                                      والإهطاع: قيل: الإسراع في المشي قال:


                                                                                                                                                                                                                                      2903 - إذا دعانا فأهطعنا لدعوته داع سميع فلفونا وساقونا

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 120 ] وقال:


                                                                                                                                                                                                                                      2904 - وبمهطع سرح كأن عنانه     في [رأس] جذع ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو عبيدة: "قد يكون الإسراع وإدامة النظر". وقال الراغب: "هطع الرجل ببصره إذا صوبه، وبعير مهطع إذا صوب عنقه". وقال الأخفش: "هو الإقبال على الإصغاء"، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      2905 - بدجلة دارهم ولقد أراهم     بدجلة مهطعين إلى السماع

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: مقبلين برؤوسهم إلى سماع الداعي. وقال ثعلب: "أهطع الرجل إذا نظر بذل وخشوع، لا يقلع ببصره"، وهذا موافق لقول أبي عبيد فقد سمع فيه: أهطع وهطع رباعيا وثلاثيا. [ ص: 121 ] والإقناع: رفع الرأس وإدامة النظر من غير التفات إلى غيره، قاله القتبي وابن عرفة، ومنه قوله يصف إبلا ترعى أعالي الشجر فترفع رؤوسها:


                                                                                                                                                                                                                                      2906 - يباكرن العضاه بمقنعات     نواجذهن كالحدأ الوقيع

                                                                                                                                                                                                                                      ويقال: أقنع رأسه، أي: طأطأها ونكسها فهو من الأضداد، والقناعة: الاجتزاء باليسير، ومعنى قنع بكذا: ارتفع رأسه عن السؤال، وفم مقنع: معطوف الأسنان إلى داخله، ورجل مقنع بالتشديد. ويقال: قنع يقنع قناعة وقنعا إذا رضي، وقنع قنوعا إذا سأل، فوقع الفرق بالمصدر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الراغب: قال بعضهم: أصل هذه الكلمة من القناع، وهو ما يغطي الرأس، والقانع من [لا] يلح في السؤال فيرضى بما يأتيه كقوله: [ ص: 122 ]

                                                                                                                                                                                                                                      2907 - لمال المرء يصلحه فيغني     مفاقره أعف من القنوع

                                                                                                                                                                                                                                      ورجل مقنع يقنع به. قال:


                                                                                                                                                                                                                                      2908 - ... ... ... ...     شهودي على ليلى عدول مقانع

                                                                                                                                                                                                                                      والرؤوس: جمع رأس وهو مؤنث، ويجمع في القلة على أرؤس، وفي الكثرة على رؤوس، والأرأس: العظيم الرأس، ويعبر بها عن الرجل العظيم كالوجه، والرئيس مشتق من ذلك، ورئاس السيف مقبضه، وشاة رأساء اسودت رأسها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لا يرتد إليهم في محل نصب على الحال أيضا من الضمير في "مقنعي". ويجوز أن يكون بدلا من "مقنعي" كذا قال أبو البقاء، يعني أنه يحل محله. ويجوز أن يكون استئنافا.

                                                                                                                                                                                                                                      والطرف في الأصل مصدر، وأطلق على الفاعل لقولهم: "ما فيهم عين تطرف"، [ولعله] هنا العين. قال:


                                                                                                                                                                                                                                      2909 - وأغض طرفي ما بدت لي جارتي     حتى يواري جارتي مأواها

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 123 ] والطرف: الجفن أيضا، يقال: ما طبق طرفه أي جفنه على الآخر، والطرف أيضا تحريك الجفن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وأفئدتهم هواء يجوز أن يكون استئنافا، وأن يكون حالا، والعامل فيه: إما "يرتد"، وإما ما قبله من العوامل. وأفرد "هواء" وإن كان خبرا عن جمع لأنه في معنى: فارغة متخرقة، ولو لم يقصد ذلك لقال: "أهوية" ليطابق الخبر مبتدأه.

                                                                                                                                                                                                                                      والهواء: الخالي من الأجسام، ويعبر به عن الجبن، يقال: جوفه هواء، أي: فارغ، قال زهير:


                                                                                                                                                                                                                                      2910 - كأن الرحل منها فوق صعل     من الظلمان جؤجؤه هواء

                                                                                                                                                                                                                                      وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:


                                                                                                                                                                                                                                      2911 - ... ... ... ...     وأنت مجوف نخب هواء

                                                                                                                                                                                                                                      النخب: الذي أخذت نخبته، أي: خياره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية