الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 88 ] يحيى بن سعيد الأنصاري

- رحمه الله -

وهو يحيى بن سعيد بن قيس بن عمر بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، ولجده قيس بن عمرو صحبة ، وقد ذكرناه في كتاب الصحابة .

وقال قوم : جد يحيى بن سعيد قيس بن فهد ، وقال آخرون : قيس بن عاصم ( وكل ذلك خطأ ) ، وإنما جده قيس بن عمرو على ما ذكرناه ، وهو الصحيح عندنا ، ويكنى يحيى بن سعيد أبا سعيد ، وكان ، فقيها عالما محدثا حافظا ثقة مأمورا عدلا مرضيا ، وكان كريما جوادا حين أدرك الغنى بعد ولايته القضاء ، وكان نزه النفس ، وكان في أول أمره مقلا قد ركبه الدين ، ثم أثرى بعد . وله أخبار كثيرة كرهت اجتلابها ، وسنذكر ما يستدل به على ما قلنا إن شاء الله .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا ابن مهدي ، عن حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة قال : حدثني الأمين المأمون على ما يعيب عليه يحيى بن سعيد ، عن عروة قال يقطع [ ص: 89 ] الآبق إذا سرق قال : وسمعت أبي ، ويحيى بن معين يقولان : يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري مدني ثقة .

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا إسماعيل بن محمد قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : سمعت علي بن المديني يقول : أربعة من أهل الأمصار يسكن القلب إليهم في الحديث يحيى بن سعيد بالمدينة ، وعمرو بن دينار بمكة ، وأيوب بالبصرة ، ومنصور بالكوفة .

وذكر الواقدي قال لما استخلف الوليد بن يزيد بن عبد الملك استعمل على المدينة يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي ، فاستقضى سعد بن إبراهيم على المدينة ، ثم عزله ، واستقضى يحيى بن سعيد الأنصاري .

قال الواقدي : وقدم يحيى بن سعيد على أبي جعفر الكوفة ، وهو بالهاشمية ، فمات بها سنة ثلاث وأربعين .

قال : وأخبرنا سليمان بن بلال قال خرج يحيى بن سعيد إلى إفريقية لميراث وجب له هناك ، وطلب له ربيعة بن أبي عبد الرحمن البريد ، فركبه إلى إفريقية ، فقدم بذلك الميراث ، وهو خمسمائة دينار قال : فأتاه الناس يسلمون عليه ، وأتاه ربيعة فسلم عليه ، فلما أراد ربيعة أن يقوم حبسه ، فلما ذهب الناس أمر بالباب ، فأغلق ، ثم دعا بمنطقته ، فصبها بين يدي ربيعة ، وقال يا أبا عثمان ، والله الذي لا إله إلا هو ما غيبت منها دينارا إلا شيئا أنفقته في الطريق ، ثم عد خمسين ومائتي دينار ، فدفعها إلى ربيعة ، وأخد خمسين ومائتي دينار لنفسه قاسمه إياها ، وكان ثقة صدوقا .

[ ص: 90 ] أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا سليمان بن بلال قال : لما خرج يحيى بن سعيد إلى العراق خرجت أشيعه ، فكان أول من استقبلته جنازة ، فتغير وجهي لذلك ، فالتفت إلي ، فقال : يا أبا محمد كأنك تطيرت ، فقلت : اللهم لا طير إلا طيرك .

فقال : لا عليك ، والله لئن صدق لينعشن الله أمري قال : فمضى ، والله ما أقام إلا شهرين حتى بعث بقضاء دينه ، ونفقة أهله ، وأصاب خيرا .

قال : وحدثنا إبراهيم بن المنذر قال : حدثنا يحيى بن محمد بن طلحة بن عبد الله بن أبي بكر الصديق قال : حدثني سليمان بن بلال قال كان يحيى بن سعيد قد ساءت حاله ، وأصابه ضيق شديد ، وركبه الدين ، فبينما هو على ذلك إذ جاءه كتاب أبي العباس يستقضيه قال سليمان ، فوكلني يحيى بأهله ، وقال لي : والله ما خرجت ، وأنا أجهل شيئا ، فلما قدم العراق كتب إلي أبي : كنت قلت لك حين خرجت قد خرجت ، وما أجهل شيئا ، وإنه ، والله لأول خصمين جلسا بين يدي ، فاقتصا شيئا ، والله ما سمعته قط ، فإذا جاءك كتابي هذا ، فسل ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، واكتب إلي بما يقول : ولا يعلم أني كتبت إليك بذلك [ ص: 91 ] قال : وحدثنا إبراهيم بن المنذر قال : حدثنا ابن وهب قال : حدثنا مالك قال : قال لي يحيى بن سعيد : اكتب لي أحاديث من أحاديث ابن شهاب في الأقضية قال : فكتب له ذلك في صحيفة كأني أنظر إليها صفراء ، فقيل : يا أبا عبد الله أعرض عليك ؟ قال : هو كان أفقه من ذلك .

قال أبو عمر : يحيى بن سعيد من فقهاء التابعين بالمدينة سمع من أنس بن مالك ، وروى عنه أحاديث مسندة ، وغير مسندة ، وليس عند مالك عنه ، عن أنس حديث مسند .

قال محمد بن عبد الله بن نمير مات يحيى بن سعيد سنة ثلاث وأربعين ومائة ، ويكنى أبا سعيد ، وكذلك قال يزيد بن هارون ، والواقدي إلا أنهما قالا بالهاشمية سنة ثلاث وأربعين .

ولمالك عنه في الموطأ من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسة وسبعون حديثا منها ثلاثون حديثا مسندة في يسير منها انقطاع ، ومنها تسعة موقوفة ، وسائرها مرسلة ، ومنقطعة ، وبلاغات ، وكلها مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نصا أو معنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية