الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الثاني في أحكام الإيلاء

                                                                                                                                                                        وفيه أربعة أطراف .

                                                                                                                                                                        الأول : في ضرب المدة ، فالإيلاء يقتضي ضرب المدة وهي أربعة أشهر بنص القرآن الكريم ، وهي حق للزوج ، كالأجل حق للمدين ، وتحسب من وقت الإيلاء ، ولا يحتاج إلى ضرب القاضي ، وسواء كان الزوجان حرين ، أو رقيقين ، أو حرا ورقيقا .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيما يمنع احتساب المدة ابتداء أو دواما

                                                                                                                                                                        قد سبق أنه إذا آلى من رجعية ، صح ، وتحسب المدة من وقت الرجعة ، لا من وقت اليمين ، ولو آلى من زوجته ثم طلقها رجعيا ، انقضت المدة لجريانها إلى البينونة ، فلو راجعها [ ص: 252 ] استؤنفت المدة ، لأن الإضرار إنما يحصل بالامتناع المتوالي في نكاح سليم ، وحكى المتولي وجها أنه يبنى عليها تخريجا مما إذا راجع المطلقة ثم طلقها قبل وطء ، فإنها تبنى على قول . ولو ارتد أحدهما بعد الدخول في المدة ، انقطعت المدة ، ولا يحتسب زمان الردة منها ، لأنها تؤثر في قطع النكاح كالطلاق ، فإذا أسلم المرتد منهما ، استؤنفت المدة ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الجماهير .

                                                                                                                                                                        وفي ردة الزوج وجه أنه إذا أسلم ، يبني ، وفي وجه حكاه السرخسي ، أن ردته لا تمنع الاحتساب ، كمرضه وسائر الأعذار .

                                                                                                                                                                        ولو وجد النكاح بعد أن بانت الرجعية ، أو كان الطلاق بائنا ، أو بعد البينونة بالردة والإضرار ، أو بردة قبل الدخول ، وقلنا : يعود الإيلاء ، استؤنفت المدة . ولو طلقها بعد مدة الإيلاء طلقة رجعية بمطالبتها ، أو ابتداء ثم راجعها ، عاد الإيلاء ، وتستأنف المدة إن كانت اليمين على التأبيد ، أو كانت مؤقتة وقد بقي من وقت اليمين مدة الإيلاء .

                                                                                                                                                                        ولو ارتد أحد الزوجين بعد مضي المدة ، ثم أسلم قبل انقضاء العدة ، عاد الإيلاء ، وتستأنف المدة أيضا ، وألحق البغوي العدة عن وطء الشبهة بالطلاق بالرجعي ، وبالردة في منع الاحتساب ووجوب الاستئناف عند انقضائها .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ما يمنع الوطء من غيره أن يحل بملك النكاح ، إن وجد في الزوج ، لم يمنع احتساب المدة ، بل تضرب المدة مع اقتران المانع بالإيلاء . ولو طرأ في المدة ، لم يقطعها ، بل تطالب بالفيأة بعد أربعة أشهر إذا كان العذر إيلاء يوم المطالبة ، وسواء في ذلك المانع الشرعي ، كالصوم ، والاعتكاف ، والإحرام ، والحسي ، كالمرض ، والحبس ، والجنون ، وإن كان المانع فيها ، فقد يكون حسيا وشرعيا ، فالحسي ، كالنشوز والصغر الذي لا يحتمل معه الوطء ، والمرض المضني [ ص: 253 ] المانع من الوطء ، فإن قارن ابتداء الإيلاء ، لم تبتدئ المدة حتى تزول ، وإن طرأ في المدة ، قطعها ، هذا هو المذهب في الطرفين ، وحكى المزني قولا في حبسه : أنه يمنع احتساب المدة ، فغلطه جمهور الأصحاب في النقل ، وصدقه بعضهم ، وحمله على ما إذا حبسته هي .

                                                                                                                                                                        وقيل : هو محمول على ما إذا حبس ظلما ، وحق هذا القائل أن يطرده في المرض ، وما لا يتعلق باختياره من الموانع ، وقد مال الإمام إلى هذا فقال : كان يحتمل أن يصدق المزني في النقل ، ويقال فيه وفي نص المرض : إنهما على قولين بالنقل والتخريج .

                                                                                                                                                                        وعن صاحب " التقريب " أن البويطي حكى قولا أن الموانع الطارئة فيها لا تمنع الاحتساب لحصول قصد المضارة ابتداء . فإذا قلنا بالمذهب ، فطرأ فيها مانع في المدة ، ثم زال ، استأنفت المدة على الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور .

                                                                                                                                                                        وقيل : تبني . ولو طرأت هذه الموانع بعد تمام المدة ، وقبل المطالبة ، وزالت بعد ، فلها المطالبة ، ولا تفتقر إلى استئناف المدة ، لأنه وجدت المضارة في المدة على التوالي ، وقيل : تستأنف وهو غلط ، نسبه الإمام إلى بعض الضعفة ، وجنونها يمنع احتساب المدة إن كانت تمنع التمكين ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                        أما المانع الشرعي فيها ، فإن كان صوما أو اعتكافا مفروضين ، يمنع الاحتساب ، ويجب الاستئناف إذا زال ، وإن كانا تطوعين ، لم يمنعا الاحتساب ، لأنه متمكن من وطئها ، هذا هو الصحيح الذي قطع به الأصحاب في الطرق ، وعن الشيخ أبي محمد ، أن العذر الشرعي لا يمنع الاحتساب ، ولا يقطع المدة ، وهو ضعيف ، والحيض لا يمنع الاحتساب قطعا ، وكذا النفاس على الأصح .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية