الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب السلف والمراد به السلم ( قال الشافعي ) : رحمه الله قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى [ ص: 90 ] فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل } - إلى قوله - { وليتق الله ربه } ( قال الشافعي ) : فلما أمر الله عز وجل بالكتاب ثم رخص في الإشهاد إن كانوا على سفر ولم يجدوا كاتبا احتمل أن يكون فرضا وأن يكون دلالة فلما قال الله جل ثناؤه { فرهان مقبوضة } والرهن غير الكتاب والشهادة ثم قال { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه } دل كتاب الله عز وجل على أن أمره بالكتاب ثم الشهود ثم الرهن إرشاد لا فرض عليهم لأن قوله { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } إباحة لأن يأمن بعضهم بعضا فيدع الكتاب والشهود والرهن ( قال ) : وأحب الكتاب والشهود ، لأنه إرشاد من الله ونظر للبائع والمشتري وذلك أنهما إن كانا أمينين فقد يموتان أو أحدهما فلا يعرف حق [ ص: 91 ] البائع على المشتري فيتلف على البائع أو ورثته حقه وتكون التباعة على المشتري في أمر لم يرده ، وقد يتغير عقل المشتري فيكون هذا والبائع وقد يغلط المشتري فلا يقر فيدخل في الظلم من حيث لا يعلم ويصيب ذلك البائع فيدعي ما ليس له فيكون الكتاب والشهادة قاطعا هذا عنهما وعن ورثتهما ولم يكن يدخله ما وصفت انبغى لأهل دين الله اختيار ما ندبهم الله إليه إرشادا ومن تركه فقد ترك حزما وأمرا لم أحب تركه من غير أن أزعم أنه محرم عليه بما وصفت من الآية بعده ( قال الشافعي ) : قال الله عز وجل { ، ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله } يحتمل أن يكون حتما على من دعي للكتاب فإن تركه تارك كان عاصيا ، ويحتمل أن يكون كما وصفنا في كتاب جماع العلم على من حضر من الكتاب أن لا يعطلوا كتاب حق بين رجلين فإذا قام به واحد أجزأ عنهم كما حق عليهم أن يصلوا على الجنائز ويدفنوها فإذا قام بها من يكفيها أخرج ذلك من تخلف عنها من المأثم ، ولو ترك كل من حضر من الكتاب خفت أن .

[ ص: 92 ] يأثموا بل كأني لا أراهم يخرجون من المأثم وأيهم قام به أجزأ عنهم ( قال الشافعي ) : وهذا أشبه معانيه به والله تعالى أعلم .

( قال الشافعي ) : وقول الله جل ذكره { ، ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } يحتمل ما وصفت من أن يأبى كل شاهد ابتدئ فيدعى ليشهد ويحتمل أن يكون فرضا على من حضر الحق أن يشهد منهم من فيه الكفاية للشهادة فإذا شهدوا أخرجوا غيرهم من المأثم ، وإن ترك من حضر الشهادة خفت حرجهم بل لا أشك فيه وهذا أشبه معانيه به والله تعالى أعلم .

قال فأما من سبقت شهادته بأن أشهد أو علم حقا لمسلم أو معاهد فلا يسعه التخلف عن تأدية الشهادة متى طلبت منه في موضع مقطع الحق ( قال الشافعي ) : والقول في كل دين سلف أو غيره كما وصفت ، وأحب الشهادة في كل حق لزم من بيع وغيره نظرا في المتعقب لما وصفت وغيره من تغير العقول .

( قال الشافعي ) : في قول الله عز وجل { فليملل وليه بالعدل } دلالة على تثبيت الحجر وهو موضوع في كتاب الحجر ( قال الشافعي ) : وقول الله [ ص: 93 ] تعالى { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } يحتمل كل دين ويحتمل السلف خاصة ، وقد ذهب فيه ابن عباس إلى أنه في السلف ( أخبرنا ) الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب عن قتادة عن أبي حسان الأعرج .

[ ص: 94 ] عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله تعالى في كتابه وأذن فيه ثم قال { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } .

( قال الشافعي ) : وإن كان كما قال ابن عباس في السلف قلنا به في كل دين قياسا عليه لأنه في معناه ، والسلف جائز في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار وما لا يختلف فيه أهل العلم علمته ( قال الشافعي ) : أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين وربما قال السنتين والثلاث فقال " من سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم } ( قال الشافعي ) : حفظته كما وصفت من سفيان مرارا ( قال الشافعي ) : وأخبرني من أصدقه عن سفيان أنه قال كما قلت وقال في الأجل إلى أجل معلوم ( أخبرنا ) سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول لا نرى بالسلف بأسا الورق في الورق نقدا ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أن ابن عمر كان يجيزه .

( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن نافع أنه كان يقول لا بأس أن يسلف الرجل في طعام موصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى .

التالي السابق


الخدمات العلمية