الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 78 ] فصل: نذكر فيه حروف المد واللين والحركات، واختلاف الناس في ذلك

اختلف النحويون في الحركات الثلاث: الضمة والكسرة والفتحة، هل هي مأخوذة من حروف المد واللين الثلاثة: الألف والواو والياء، أو حروف المد واللين مأخوذة من الحركات؟

فقال أكثر النحاة: إن الحركات الثلاث مأخوذة من الحروف الثلاثة: الضمة من الواو، والكسرة من الياء، والفتحة من الألف. واستدلوا على ذلك بما قدمناه من قول من قال: إن الحروف قبل الحركات، والثاني أبدا مأخوذ [ ص: 79 ] من الأول، والأول أصل له، ولا يجوز أخذ الأول من الثاني، لأنه يصير مأخوذا من المعدوم. واستدلوا على ذلك أيضا أن العرب لما لم تعرب أشياء من الكلام بالحركات، التي هي أصل الإعراب، أعربته بالحروف التي أخذت الحركات منها، وذلك نحو التثنية، والجمع السالم، ونحو الأسماء الستة، قالوا: ألم تر أنهم لما لم يعربوا هذا بالحركات أعربوه بالحروف التي أخذت الحركات منها.

وقال آخرون: حروف المد واللين مأخوذة من الحركات، واستدلوا على ذلك بأن الحركات إذا أشبعت حدثت منها هذه الحروف الثلاثة. واستدلوا أيضا بأن العرب قد استغنت في بعض كلامها عن الواو بالضمة، وعن الياء بالكسرة، وعن الألف بالفتحة، فيكتفون بالأصل عن الفرع، لدلالة الأصل على فرعه، كقول الشاعر:


فلو أن الأطبا كان حولي وكان مع الأطباء الأساة

فحذفت الواو من (كانوا) وأبقيت الضمة تدل عليها، وقال الآخر:


دار لسلمى إذه من هواكا

فحذفت الياء من (هي) بعد أن أسكنت، لدلالة الكسرة عليها، وقال الآخر:


فبيناه يشري رحله قال قائل     لمن جمل رخو الملاط نجيب

هكذا أنشده سيبويه ووهم فيه، وهذا البيت الصحيح لمخلب الهلالي كما [ ص: 80 ] قال الصغاني، وليس للعجير بن عبد الله السلولي كما قال جماعة، وعلى القولين فالقصيدة لامية، أولها:


وجدت بها وجد الذي ضل نضوه     بمكة يوما، والرفاق نزول

ومنها:


فباتت هموم الصدر شتى يعدنه     كما عيد شلو بالعراء قتيل
فبيناه يشري رحله قال قائل     لمن جمل رخو الملاط ذلول

نبهني على ذلك فحررته صاحبنا الشيخ جلال الدين محمد بن خطيب داريا. يريد فبينا هو، فأسكن الواو ثم حذفها، لدلالة الضمة عليها.

ويقولون: أن في الدار، فيحذفون الألف من (أنا) لدلالة الفتحة عليها، وقرأ هشام بن عروة {ونادى نوح ابنه وكان} بفتح الهاء، يريد [ ص: 81 ] ابنها، فحذفت الألف لدلالة الفتحة عليها، ووجه هذه القراءة أنه كان ابن زوجته، ربيبه، ولم يكن ابنه لصلبه.

وقال بعض أهل النظر: ليست الحروف مأخوذة من الحركات ولا الحركات مأخوذة من الحروف، إذ لم يسبق أحد الصنفين الآخر، على ما قدمناه من قول من قال: الحروف والحركات لم يسبق أحدهما الآخر، وحجته، وهو قول ظاهر.

[ ص: 82 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية