الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 58 ] 159 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تسمية المولود يوم سابعه وفي تسميته - صلى الله عليه وسلم - بعض المولودين قبل ذلك .

1030 - حدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا قريش بن أنس قال : حدثنا أشعث ، عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الغلام مرتهن بعقيقته ، أو قال : بعقيقة تذبح يوم السابع ، ويحلق رأسه ، ويسمى .

قال قريش : وأخبرنا حبيب بن الشهيد أن ابن سيرين أمره أن يسأل الحسن ممن سمع حديثه في العقيقة ، قال : فسألته ، فقال : سمعته من سمرة .

قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أن هذا الحديث قد عاد كله إلى سمرة ، فتأملنا ذلك ، فوجدناه محتملا لغير ما قالوا ؛ لأن ابن سيرين [ ص: 59 ] إنما أمر حبيبا أن يسأل الحسن ممن سمع حديثه في العقيقة ، فكان ذلك قصدا منه إلى العقيقة لا إلى ما سواها مما في حديث قريش هذا . فطلبنا ذلك في غير هذا الحديث لنقف على مأخذه عن سمرة هل فيه تسمية المولود يوم سابعه فيكون ذلك توقيفا منه للناس على ذلك أم لا . ؟

1031 - فحدثنا محمد بن خزيمة قال : حدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ كل ] غلام رهينة بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ، ويحلق رأسه ، ويسمى .

[ ص: 60 ] قال أبو جعفر : فلم يكن في هذا الحديث لوقت تسمية المولود ذكر ، ثم تأملنا ذلك هل نجده في غيره مما قد روي عن سمرة . ؟

1032 - فوجدنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : كل غلام رهين بعقيقته فتذبح عنه ، ويسمى ، ويحلق رأسه في اليوم السابع .

قال أبو جعفر : فكان في هذا تسميته في اليوم السابع غير أنه [ ص: 61 ] ليس بالقوي في قلوبنا ؛ لأن الذي رواه عن سعيد بن أبي عروبة إنما هو روح بن عبادة ، وسماع روح من سعيد إنما كان بعد اختلاطه ، فطلبناه من رواية من سواه ممن سماعه منه كان قبل اختلاطه .

1033 - فوجدنا أحمد بن شعيب حدثنا قال : حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن عبد الأعلى قالا : حدثنا يزيد - قال أحمد بن شعيب : وهو ابن زريع - عن سعيد قال : أخبرنا قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ، ويحلق رأسه ، ويسمى .

قال أبو جعفر : فعقلنا بذلك أن جميع ما في حديث بكار ، عن قريش ، عن أشعث ، عن الحسن - قد عاد كله إلى سمرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية من لا طعن في روايته بسماع في حال اختلاط ولا بما سوى ذلك ، ثم نظرنا هل روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف ذلك .

1034 - فوجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا قال : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت البناني ، [ ص: 62 ] عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ولد الليلة لي غلام فسميته بأبي إبراهيم .

1035 - ووجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا قال : حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت قال : قال أنس : لما ولدت أم سليم عبد الله بن أبي طلحة قال لي أبو طلحة : يا أنس ، لا يطعم شيئا حتى تغدو به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فبات يبكي .

فلما أصبحت غدوت به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أم سليم ولدت ؟ فقلت : أجل . فقعد ، وجئت حتى وضعته في حجره ، فدعا بعجوة من عجوة المدينة ، فلاكها في فيه ، فلاكها حتى ذابت ، ثم لفظها في فمه . وجعل الصبي يتلمظ . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : انظروا إلى حب الأنصار التمر ! ومسح وجهه وسماه عبد الله
.

1036 - ووجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا قال : حدثنا [ ص: 63 ] حجاج بن منهال قال : حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ولد ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عباءة يهنأ بعيرا له ، فقال : أمعك تمرات ؟ فقلت : نعم . [ فلاكهن ] ثم أوجرهن إياه ، فتلمظ الصبي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حب الأنصار التمر ! وسماه عبد الله .

1037 - حدثنا بكار قال : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي قال : حدثنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك أن أم سليم ولدت ابنها عبد الله ليلا ، فكرهت أن أحنكه حتى يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحنكه ، فغدوت ومعي تمرات عجوة . فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يهنأ أباعر له أو يسمها ، فقلت : يا [ ص: 64 ] رسول الله ، ولدت أم سليم ، فكرهت أن أحنكه حتى تكون أنت تحنكه . فقال : أمعك شيء ؟ قلت : تمرات عجوة . فأخذ من بعض ذلك التمر ، فمضغه فجمعه بريقه ، فأوجره إياه ، فتلمظ الصبي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حب الأنصار للتمر . قلت : سمه يا رسول الله ! قال : هو عبد الله .

قال أبو جعفر : ففيما روينا تسمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنه إبراهيم وعبد الله بن أبي طلحة باسميهما هذين قبل يوم سابعهما ، فنظرنا في ذلك لنعلم ما الأولى من الروايتين اللتين ذكرناهما في هذا الباب من تسمية المولود يوم سابعه ، ومن تقديم ذلك قبل سابعه .

فوجدنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي قد حدثنا قال : حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال : أخبرنا الحسين بن واقد ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : كنا في الجاهلية إذا ولد لنا غلام ذبحنا عنه شاة ، ولطخنا رأسه بدمها ، ثم كنا في الإسلام إذا ولد لنا غلام ذبحنا عنه شاة ، ولطخنا رأسه بالزعفران .

[ ص: 65 ] قال أبو جعفر : فعقلنا بذلك أن ما كانوا يفعلونه في أول الإسلام في يوم سابع المولود هو على مثل ما كانوا يفعلونه فيه في الجاهلية ، وأن الذي كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ابنه إبراهيم وفي عبد الله بن أبي طلحة من تسميته إياهما قبل يوم سابعهما وقبل ذبح عقيقة على كل واحد منهما عنه ، بأنها لم ينسخ أن يكون يوم سابعه كان طارئا على ذلك وناسخا له ، فكان أولى مما كان قبله مما يخالفه مما ذكرناه في هذا الباب . والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية