الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (4) قوله تعالى: إلا ولها كتاب : فيه أوجه، أحدها: وهو الظاهر - أنها واو الحال، ثم لك اعتباران، أحدهما: أن تجعل الحال وحدها الجار، ويرتفع "كتاب" به فاعلا. والثاني: أن تجعل الجار خبرا مقدما، و "كتاب" مبتدأ والجملة حال، وهذه الحال لازمة.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أن الواو مزيدة، وأيد هذا قوله بقراءة ابن أبي عبلة "إلا لها" بإسقاطها. والزيادة ليست بالسهلة.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أن الواو داخلة على الجملة الواقعة صفة تأكيدا، قال الزمخشري : والجملة واقعة صفة لقرية، والقياس أن لا تتوسط هذه الواو بينهما كما في قوله: وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون وإنما توسطت [ ص: 142 ] لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما تقول: "وجاءني زيد عليه ثوبه"، "وجاءني وعليه ثوبه". وقد تبع الزمخشري في ذلك أبو البقاء تعالى: وقد سبق له ذلك أيضا في البقرة عند قوله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: "ولا نعلم أحدا قاله من النحويين، وفي محفوظي أن ابن جني سبقهما إلى ذلك". ثم قال الشيخ: وهو مبني على جواز أن ما بعد "إلا" يكون صفة، وقد منعوا ذلك. قال الأخفش: "لا يفصل بين الصفة والموصوف بـ "إلا". ثم قال: وأما نحو: "ما جاءني رجل إلا راكب" على تقدير: إلا رجل راكب، وفيه قبح لجعلك الصفة كالاسم". وقال أبو علي: "تقول: ما مررت بأحد إلا قائما، "قائما" حال، ولا تقول: إلا قائم، لأن "إلا" لا تعترض بين الصفة والموصوف". وقال ابن مالك - وقد ذكر ما ذهب إليه الزمخشري في قوله "ما مررت بأحد إلا زيد خير منه": إن الجملة بعد "إلا" صفة لـ "أحد" -: "إنه مذهب لا يعرف لبصري ولا كوفي، فلا يلتفت إليه، وأبطل قوله: إن الواو توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف.

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: قول الزمخشري قوي من حيث القياس، فإن الصفة كالحال في المعنى، وإن كان بينهما فرق من بعض الوجوه، فكما أن الواو تدخل على الجملة الواقعة حالا كذلك تدخل عليها واقعة صفة. ويقويه أيضا ما نظره به [ ص: 143 ] من الآية الأخرى في قوله: إلا لها منذرون ويقويه أيضا قراءة ابن أبي عبلة المتقدمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال منذر بن سعيد: هذه الواو هي التي تعطي أن الحالة التي بعدها في اللفظ هي في الزمن قبل الحالة التي قبل الواو، ومنه قوله تعالى: حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية