الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            15837 وعن سلمان الفارسي قال : كنت رجلا من أهل جي ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق ، وكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء ، فقيل لي : إن الدين الذي تطلب إنما هو بالمغرب ، فخرجت حتى أتيت الموصل ، فسألت عن أفضل رجل فيها فدللت على رجل في صومعة ، فأتيته فقلت : إني رجل من أهل جي ، وإني جئت أطلب العلم ، وأتعلم منك فضمني إليك أخدمك وأصحبك ، وتعلمني شيئا مما علمك الله . قال : نعم ، فصحبته فأجرى علي مثل ما يجري عليه من الخل والزيت والحبوب ، فلم أزل معه حتى نزل به الموت ، فجلست عند رأسه أبكيه ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : والله يبكيني أني خرجت من بلادي أطلب العلم فرزقني الله - عز وجل - صحبتك ، فعلمتني وأحسنت صحبتي ، فنزل بك الموت فلا أدري أين أذهب ؟ قال : لي أخ بالجزيرة بمكان كذا وكذا ، وهو على الحق ، فأته فأقرئه مني السلام ، وأخبره أني أوصيت بك إليه ، وأوصيك بصحبته . قال : فلما أن قبض الرجل ، خرجت حتى أتيت الرجل الذي وصف فأخبرته بالخبر ، وأقرأته السلام من صاحبه ، وأخبرته أنه هلك ، وأمرني بصحبته ، فضمني إليه وأجرى علي كما كان يجري علي من الأجر ، فصحبته ما شاء الله ونزل به الموت ، فلما أن نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ قلت : خرجت من بلادي أطلب الخير ، فرزقني الله صحبة فلان فأحسن صحبتي وعلمني ، فلما نزل به الموت أوصى بي إليك ، فضممتني فأحسنت صحبتي وعلمتني ، وقد نزل بك الموت فلا أدري أين [ ص: 338 ] أتوجه ؟ قال : إن خالي على قرب الرومي ، فهو على الحق ، فأته فأقرئه مني السلام واصحبه ; فإنه على الحق ، فلما قبض الرجل خرجت حتى أتيته ، فأخبرته بخبري وبوصية الآخر قبله قال : فضمني إليه وأجرى علي كما كان يجري علي‌‌ ، فلما نزل به الموت جلست أبكي عند رأسه ، فقال : ما يبكيك ؟ فقصصت قصتي ، فقلت له : إن الله رزقني صحبتك ، فأحسنت صحبتي ، وقد نزل بك الموت ولا أدري أين أتوجه ؟ قال : ما بقي أحد أعلمه على دين عيسى - عليه السلام - في الأرض ، ولكن هذا أوان يخرج فيه نبي أو قد خرج بتهامة ، فأت على الطريق لا يمر بك أحد إلا سألته عنه ، فإذا بلغك أنه خرج فأته ; فإنه النبي الذي بشر به عيسى - عليه السلام - وآية ذلك أن بين كتفيه خاتم النبوة ، وأنه يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة .

                                                                                            قال : وكان لا يمر بي أحد إلا سألته عنه ، فمر بي ناس من أهل مكة فسألتهم ، فقالوا : نعم قد ظهر فينا رجل يزعم أنه نبي ، فقلت لبعضهم : هل لكم أن أكون عبدا لبعضكم على أن تحملوني عقبة ، وتطعموني من الخبز كسرا ؟ فإذا بلغتم إلى بلادكم ; فإن شاء أن يبيع باع ، وإن شاء أن يستعبد ، فقال رجل منهم : أنا ، فصرت عبدا له حتى قدم مكة ، فجعلني في بستان له مع حبشان كانوا فيه ، فخرجت وسألت ، فلقيت امرأة من بلادي ، فسألتها فإذا أهل بيتها قد أسلموا ، وقالت : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلس في الحجر هو وأصحابه ، إذ صاح عصفور بمكة ، حتى إذا أضاء لهم الفجر تفرقوا . فانطلقت إلى البستان ، فكنت أختلف ليلتي ، فقال لي الحبشان : ما لك ؟ قلت : أشتكي بطني ، فقال : وإنما صنعت ذلك لئلا يفقدوني إذا ذهبت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                            قال : فلما كانت الساعة التي أخبرتني المرأة التي يجلس فيها هو وأصحابه ، خرجت أمشي حتى رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو محتب وأصحابه حوله ، فأتيته من ورائه فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أريد ، فأرسل حبوته فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، فقلت : الله أكبر هذه واحدة ، ثم انصرفت ، فلما كانت الليلة المقبلة لقطت تمرا جيدا ، ثم انطلقت به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضعته بين يديه ، بين يديه ، فقال : " ما هذا ؟ " . قلت : هدية ، فأكل منها وقال للقوم : " كلوا " . قال : قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فسألني عن أمري فأخبرته قال : " اذهب فاشتر نفسك " . فانطلقت إلى صاحبي فقلت : يعني نفسي ، فقال : نعم على أن تنبت لي مائة نخلة ، فإذا أنبت جئتني [ ص: 339 ] بوزن نواة من ذهب . فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اشتر نفسك بالذي سألك ، وائتني بدلو من ماء البئر التي كنت تسقي منها ذلك النخل " . قال : فدعا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم سقيتها ، فوالله لقد غرست مائة نخلة فما منها نخلة إلا نبتت ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته : أن النخل قد نبت ، فأعطاني قطعة من ذهب ، فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان ، ووضع في الجانب الآخر نواة ، قال : فوالله ما استقلت القطعة من الذهب من الأرض قال : وجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ، فأعتقني . رواه الطبراني ، وفيه عبد الله بن عبد القدوس التميمي ضعفه أحمد والجمهور ووثقه ابن حبان ، وقال : ربما أغرب ، وبقية رجاله ثقات .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية