[ ص: 16 ] nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=28986_29284_28758وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=7لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين
عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=3ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ، والمناسبة أن المعطوف عليها تضمنت انهماكهم في الملذات والآمال ، وهذه تضمنت توغلهم في الكفر وتكذيبهم الرسالة المحمدية .
والمعنى : ذرهم يكذبون ويقولون شتى القول من التكذيب والاستهزاء ، والجملة كلها من مقولهم .
والنداء في
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6يا أيها الذي نزل عليه الذكر للتشهير بالوصف المنادى به ، واختيار الموصولية لما في الصلة من المعنى الذي جعلوه سبب التهكم ، وقرينة التهكم قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6إنك لمجنون ، وقد أرادوا الاستهزاء بوصفه فأنطقهم الله بالحق فيه صرفا لألسنتهم عن الشتم ، وهذا كما
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342008كانوا إذا شتموا النبيء - صلى الله عليه وسلم - أو هجوه يدعونه مذمما ; فقال النبيء - صلى الله عليه وسلم - لعائشة ألم تري كيف صرف الله عني أذى المشركين وسبهم ، يسبون مذمما وأنا محمد .
وفي هذا إسناد الصلة إلى الموصول بحسب ما يدعيه صاحب اسم الموصول لا بحسب اعتقاد المتكلم على طريقة التهكم .
والذكر : مصدر ذكر إذا تلفظ ، ومصدر ذكر إذا خطر بباله شيء ، فالذكر : الكلام الموحى به ; ليتلى ويكرر ، فهو للتلاوة ;لأنه يذكر ويعاد ; إما لأن فيه التذكير بالله واليوم الآخر ، وإما بمعنى أن به ذكرهم في الآخرين ، وقد شملها قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=10لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ولقومك والمراد به هنا القرآن .
[ ص: 17 ] nindex.php?page=treesubj&link=28867فتسمية القرآن ذكرا تسمية جامعة عجيبة لم يكن للعرب علم بها من قبل أن ترد في القرآن .
وكذلك تسميته قرآنا ; لأنه قصد من إنزاله أن يقرأ ، فصار الذكر والقرآن صنفين من أصناف الكلام الذي يلقى للناس لقصد وعيه وتلاوته ، كما كان من أنواع الكلام الشعر والخطبة والقصة والأسطورة .
ويدلك لهذا قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ،
nindex.php?page=treesubj&link=28742فنفى أن يكون الكتاب المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - شعرا ، ووصفه بأنه ذكر وقرآن ، ولا يخفى أن وصفه بذلك يقتضي مغايرة بين الموصوف والصفة ، وهي مغايرة باعتبار ما في الصفتين من المعنى الذي أشرنا إليه ، فالمراد : أنه من صنف الذكر ومن صنف القرآن ، لا من صنف الشعر ، ولا من صنف الأساطير .
ثم صار القرآن بالتعريف باللام علما بالغلبة على الكتاب المنزل على
محمد - صلى الله عليه وسلم - كما علمت آنفا .
وإنما وصفوه بالجنون لتوهمهم أن ادعاء نزول الوحي عليه لا يصدر من عاقل ; لأن ذلك عندهم مخالف للواقع توهما منهم بأن ما لا تقبله عقولهم التي عليها غشاوة ليس من شأنه أن يقبله العقلاء ; فالداعي به غير عاقل .
والمجنون : الذي جن ، أي : أصابه فساد في العقل من أثر مس الجن إياه في اعتقادهم ، فالمجنون اسم مفعول مشتق من الفعل المبني للمجهول وهو من الأفعال التي لم ترد إلا مسندة للمجهول .
وتأكيد الجملة بـ ( إن ) واللام لقصدهم تحقيق ذلك له لعله يرتدع عن الاستمرار فيه أو لقصدهم تحقيقه للسامعين حاضري مجالسهم .
[ ص: 18 ] وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=7لوما تأتينا بالملائكة استدلال على ما اقتضته الجملة قبلها باعتبار أن المقصود منها
nindex.php?page=treesubj&link=29284تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ; لأن ما يصدر من المجنون من الكلام لا يكون جاريا على مطابقة الواقع فأكثره كذب .
و " لوما " حرف تخصيص بمنزلة لولا التحضيضية ، ويلزم دخولها الجملة الفعلية .
والمراد بالإتيان بالملائكة حضورهم عندهم ليخبرهم بصدقه في الرسالة ، وهذا كما حكى الله في الآية الأخرى بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=92أو تأتي بالله والملائكة قبيلا .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=7من الصادقين أي : من الناس الذين صفتهم الصدق ، وهو أقوى من ( إن كنت صادقا ) ، كما تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119وكونوا مع الصادقين في سورة براءة ، وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين في سورة البقرة .
[ ص: 16 ] nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=28986_29284_28758وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=7لَوْمَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=3ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا ، وَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهَا تَضَمَّنَتِ انْهِمَاكَهُمْ فِي الْمَلَذَّاتِ وَالْآمَالِ ، وَهَذِهِ تَضَمَّنَتْ تَوَغُّلَهُمْ فِي الْكُفْرِ وَتَكْذِيبَهُمُ الرِّسَالَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ .
وَالْمَعْنَى : ذَرْهُمْ يُكَذِّبُونَ وَيَقُولُونَ شَتَّى الْقَوْلِ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ ، وَالْجُمْلَةُ كُلُّهَا مِنْ مَقُولِهِمْ .
وَالنِّدَاءُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ لِلتَّشْهِيرِ بِالْوَصْفِ الْمُنَادَى بِهِ ، وَاخْتِيَارُ الْمَوْصُولِيَّةِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي جَعَلُوهُ سَبَبَ التَّهَكُّمِ ، وَقَرِينَةُ التَّهَكُّمِ قَوْلُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ، وَقَدْ أَرَادُوا الِاسْتِهْزَاءَ بِوَصْفِهِ فَأَنْطَقَهُمُ اللَّهُ بِالْحَقِّ فِيهِ صَرْفًا لِأَلْسِنَتِهِمْ عَنِ الشَّتْمِ ، وَهَذَا كَمَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342008كَانُوا إِذَا شَتَمُوا النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ هَجَوْهُ يَدْعُونَهُ مُذَمَّمًا ; فَقَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ أَلَمْ تَرَيْ كَيْفَ صَرَفَ اللَّهُ عَنِّي أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَسَبَّهُمْ ، يَسُبُّونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ .
وَفِي هَذَا إِسْنَادُ الصِّلَةِ إِلَى الْمَوْصُولِ بِحَسَبِ مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُ اسْمِ الْمَوْصُولِ لَا بِحَسَبِ اعْتِقَادِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ .
وَالذِّكْرُ : مَصْدَرُ ذَكَرَ إِذَا تَلَفَّظَ ، وَمَصْدَرُ ذَكَرَ إِذَا خَطَرَ بِبَالِهِ شَيْءٌ ، فَالذِّكْرُ : الْكَلَامُ الْمُوحَى بِهِ ; لِيُتْلَى وَيُكَرَّرَ ، فَهُوَ لِلتِّلَاوَةِ ;لِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُعَادُ ; إِمَّا لِأَنَّ فِيهِ التَّذْكِيرَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَإِمَّا بِمَعْنَى أَنَّ بِهِ ذِكْرَهُمْ فِي الْآخَرِينَ ، وَقَدْ شَمَلَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=10لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْقُرْآنُ .
[ ص: 17 ] nindex.php?page=treesubj&link=28867فَتَسْمِيَةُ الْقُرْآنِ ذِكْرًا تَسْمِيَةٌ جَامِعَةٌ عَجِيبَةٌ لَمْ يَكُنْ لِلْعَرَبِ عِلْمٌ بِهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَرِدَ فِي الْقُرْآنِ .
وَكَذَلِكَ تَسْمِيَتُهُ قُرْآنًا ; لِأَنَّهُ قَصَدَ مِنْ إِنْزَالِهِ أَنْ يُقْرَأَ ، فَصَارَ الذِّكْرُ وَالْقُرْآنُ صِنْفَيْنِ مِنْ أَصْنَافِ الْكَلَامِ الَّذِي يُلْقَى لِلنَّاسِ لِقَصْدِ وَعْيِهِ وَتِلَاوَتِهِ ، كَمَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ الشِّعْرُ وَالْخُطْبَةُ وَالْقِصَّةُ وَالْأُسْطُورَةُ .
وَيَدُلُّكَ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28742فَنَفَى أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شِعْرًا ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ وَصْفَهُ بِذَلِكَ يَقْتَضِي مُغَايَرَةً بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةِ ، وَهِيَ مُغَايِرَةٌ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الصِّفَتَيْنِ مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ ، فَالْمُرَادُ : أَنَّهُ مِنْ صِنْفِ الذِّكْرِ وَمِنْ صِنْفِ الْقُرْآنِ ، لَا مِنْ صِنْفِ الشِّعْرِ ، وَلَا مِنْ صِنْفِ الْأَسَاطِيرِ .
ثُمَّ صَارَ الْقُرْآنُ بِالتَّعْرِيفِ بِاللَّامِ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ عَلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا .
وَإِنَّمَا وَصَفُوهُ بِالْجُنُونِ لِتَوَهُّمِهِمْ أَنَّ ادِّعَاءَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ لَا يَصْدُرُ مِنْ عَاقِلٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مُخَالِفٌ لِلْوَاقِعِ تَوَهُّمًا مِنْهُمْ بِأَنَّ مَا لَا تَقْبَلُهُ عُقُولُهُمُ الَّتِي عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقْبَلَهُ الْعُقَلَاءُ ; فَالدَّاعِي بِهِ غَيْرُ عَاقِلٍ .
وَالْمَجْنُونُ : الَّذِي جُنَّ ، أَيْ : أَصَابَهُ فَسَادٌ فِي الْعَقْلِ مِنْ أَثَرِ مَسِّ الْجِنِّ إِيَّاهُ فِي اعْتِقَادِهِمْ ، فَالْمَجْنُونُ اسْمُ مَفْعُولٍ مُشْتَقٌّ مِنَ الْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ وَهُوَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَمْ تَرِدْ إِلَّا مُسْنَدَةً لِلْمَجْهُولِ .
وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِـ ( إِنَّ ) وَاللَّامِ لِقَصْدِهِمْ تَحْقِيقَ ذَلِكَ لَهُ لَعَلَّهُ يَرْتَدِعُ عَنِ الِاسْتِمْرَارِ فِيهِ أَوْ لِقَصْدِهِمْ تَحْقِيقَهُ لِلسَّامِعِينَ حَاضِرِي مَجَالِسِهِمْ .
[ ص: 18 ] وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=7لَوْمَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ اسْتِدْلَالٌ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ الْجُمْلَةُ قَبْلَهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=29284تَكْذِيبُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّ مَا يَصْدُرُ مِنَ الْمَجْنُونِ مِنَ الْكَلَامِ لَا يَكُونُ جَارِيًا عَلَى مُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ فَأَكْثَرُهُ كَذِبٌ .
وَ " لَوْمَا " حَرْفُ تَخْصِيصٍ بِمَنْزِلَةِ لَوْلَا التَّحْضِيضِيَّةِ ، وَيَلْزَمُ دُخُولُهَا الْجُمْلَةَ الْفِعْلِيَّةَ .
وَالْمُرَادُ بِالْإِتْيَانِ بِالْمَلَائِكَةِ حُضُورُهُمْ عِنْدَهُمْ لِيُخْبِرَهُمْ بِصِدْقِهِ فِي الرِّسَالَةِ ، وَهَذَا كَمَا حَكَى اللَّهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=92أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=7مِنَ الصَّادِقِينَ أَيْ : مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ صِفَتُهُمُ الصِّدْقُ ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ ( إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ) ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ ، وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=67قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .