الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1568 - مسألة : والحكرة المضرة بالناس حرام - سواء في الابتياع أو في إمساك ما ابتاع - ويمنع من ذلك .

                                                                                                                                                                                          والمحتكر في وقت رخاء ليس آثما ، بل هو محسن ; لأن الجلاب إذا أسرعوا البيع أكثروا الجلب ، وإذا بارت سلعتهم ولم يجدوا لها مبتاعا تركوا الجلب ، فأضر ذلك بالمسلمين ، قال الله - تعالى - : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : فإنكم تصححون الحديث من طريق محمد بن عجلان عن محمد بن عمرو بن عطاء [ ص: 573 ] عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحتكر إلا خاطئ } ؟ .

                                                                                                                                                                                          قلنا : نعم ، ولكننا روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه سمع عمر بن الخطاب يقول : " { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبس ، نفقة أهله سنة ، ثم يجعل ما بقي من ثمره مجعل مال الله } .

                                                                                                                                                                                          فهذا النبي عليه السلام قد احتبس قوت أهله سنة ، ولم يمنع من أكثر .

                                                                                                                                                                                          فصح أن إمساك ما لا بد منه مباح ، والشراء مباح ، والمذكور بالذم هو غير المباح بلا شك ، فهذا الاحتكار الذي ذكرناه ، وكل احتكار فإنه إمساك ، والاحتكار مذموم ، وليس كل إمساك مذموما ، بل هو مباح حتى يقوم دليل بالمنع من شيء منه فهو المذموم حينئذ - وبالله - تعالى - التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وقد روينا حديثا من طريق يزيد بن هارون عن أصبغ بن زيد الجهني عن أبي بشر عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة الحضرمي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من احتكر طعاما أربعين يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه } .

                                                                                                                                                                                          وهذا لا يصح ; لأن أصبغ بن زيد ، وكثير بن مرة مجهولان .

                                                                                                                                                                                          وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمي عن ليث بن أبي سليم أخبرني أبو الحكم أن علي بن أبي طالب أحرق طعاما احتكر بمائة ألف .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة أنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن حي عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن قيس قال : قال حبيش أحرق لي علي بن أبي طالب بيادر بالسواد كنت احتكرتها ، لو تركها لربحت فيها مثل عطاء الكوفة - البيادر أنادر الطعام .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا بحضرة الصحابة ، ويلزم من شنع بمثل هذا أن يأخذ به .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية