الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الثاني والعشرون:

معرفة المقلوب.

هو نحو حديث مشهور عن سالم، جعل عن نافع؛ ليصير بذلك غريبا مرغوبا فيه.

وكذلك ما روينا أن البخاري - رضي الله عنه - قدم بغداد، فاجتمع قبل مجلسه قوم من أصحاب الحديث، وعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ثم حضروا مجلسه وألقوها عليه، فلما فرغوا من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة التفت إليهم فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، فأذعنوا له بالفضل.

ومن أمثلته، ويصلح مثالا للمعلل: ما رويناه عن إسحاق بن عيسى الطباع قال: حدثنا جرير بن حازم، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" قال إسحاق بن عيسى: فأتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث، فقال: وهم أبو النضر إنما كنا جميعا في مجلس ثابت البناني، وحجاج بن أبي عثمان معنا، فحدثنا حجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" فظن أبو النضر أنه فيما حدثنا ثابت عن أنس. أبو النضر هو جرير بن حازم. والله أعلم.

فصل

قد وفينا بما سبق الوعد بشرحه من الأنواع الضعيفة والحمد لله، فلننبه الآن على أمور مهمة:

أحدها: إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف فلك أن تقول: هذا ضعيف، وتعني أنه بذلك الإسناد ضعيف، وليس لك أن تقول: هذا ضعيف وتعني به ضعف متن الحديث، بناء على مجرد ضعف ذلك الإسناد، فقد يكون مرويا بإسناد آخر صحيح يثبت بمثله الحديث، بل يتوقف جواز ذلك على حكم إمام من أئمة الحديث بأنه لم يروبإسناد يثبت به، أو بأنه حديث ضعيف، أو نحو هذا، مفسرا وجه القدح فيه. فإن أطلق ولم يفسر، ففيه كلام يأتي - إن شاء الله تعالى - فاعلم ذلك فإنه مما يغلط فيه. والله أعلم.

الثاني: يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرها. وذلك كالمواعظ، والقصص، وفضائل الأعمال، وسائر فنون الترغيب والترهيب، وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد.

وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك: عبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما.

الثالث: إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا" وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وإنما تقول فيه: "روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو بلغنا عنه كذا وكذا، أو ورد عنه، أو جاء عنه، أو روى بعضهم" وما أشبه ذلك. وهكذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه. وإنما تقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي أوضحناه أولا. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية