الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (15) قوله تعالى: سكرت : قرأ ابن كثير: "سكرت" [ ص: 149 ] مبنيا للمفعول مخفف الكاف، وباقي السبعة كذلك، إلا أنهم شددوا الكاف. والزهري "سكرت" بفتح السين وكسر الكاف خفيفة مبنيا للفاعل.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما القراءة الأولى فيجوز أن تكون بمعنى المشددة، فإن التخفيف يصلح للقليل والكثير، وهما مأخوذتان من "السكر" بكسر السين وهو السد، فالمعنى: حبست أبصارنا وسدت. وقيل: بمعنى عطبت. وقيل: بمعنى أخذت. وقيل: بمعنى سحرت. وقيل: المشدد من سكر الماء، والمخفف بمعنى سحرت. وقيل: المشدد من سكر الماء بالكسر، والمخفف من سكر الشراب بالضم.

                                                                                                                                                                                                                                      والمشهور أن "سكر" لا يتعدى فكيف بني للمفعول. فقال أبو علي: "ويجوز أن يكون سمع متعديا في البصر"، والذي قاله المحققون من أهل اللغة أن "سكر": إن كان من سكر الشراب، أو من سكر الريح، فالتضعيف فيه للتعدية، وإن كان من سكر الماء فالتضعيف للتكثير لأنه متعد مخففا، وذلك أنه يقال: سكرت الريح تسكر سكرا إذا ركدت، وسكر الرجل من الشراب سكرا إذا ركد ولم ينفذ لحاجته، فهذان قاصران، فالتضعيف فيهما للتعدية. ويقال: سكرت الماء في مجاريه: إذا منعته من الجري، فهذا متعد، فالتضعيف فيه للتكثير. [ ص: 150 ] وأما قراءة ابن كثير فإن كانت من سكر الماء فواضحة؛ لأنه متعد، وإن كانت من سكر الشراب أو سكر الريح فيجوز أن يكون الفعل استعمل لازما تارة ومتعديا أخرى، نحو: رجع زيد، ورجعه غيره، وسعد وسعده غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : "وسكرت: حيرت، أو حبست من السكر أو السكر، وقرئ: "سكرت" بالتخفيف، أي: حبست كما يحبس النهر من الجري"، فجعل قراءة التشديد محتملة لمعنيين، وقراءة التخفيف لمعنى واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة الزهري فواضحة، أي: عطبت. وقيل: هي مطاوع أسكرت المكان فسكر، أي: سددته فانسد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية