الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 649 ] باب صدقة التطوع تستحب في كل وقت ( ع ) وهي أفضل سرا [ ( و ) ] بطيب نفس ( و ) في الصحة [ ( و ) ] وفي رمضان وأوقات الحاجات ، وفي كل زمان أو مكان فاضل ، كالعشرة والحرمين ، وذوو رحمه والجار أفضل ، لا سيما مع عداوته ، لقوله عليه السلام { الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان : صدقة وصلة } وقوله { أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح } رواهما أحمد وغيره ، وسبق في أول فصل من تدفع إليه الزكاة ما يتعلق بهذا ، وقد قال تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وقال { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } وقال عليه السلام { لا تحقرن من المعروف شيئا } وقال { اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فكلمة طيبة } وقال { أفضل الصدقة جهد المقل ودرهم سبق مائة ألف } .

                                                                                                          وتستحب الصدقة مما فضل عن كفايته وكفاية من يمونه ، أطلقه جماعة ، والمراد والله أعلم دائما ، كما ذكره جماعة ، بمتجر أو غلة ملك أو وقف أو صنعة ، وفي الاكتفاء بالصنعة نظر ، وفي معنى كلام ابن الجوزي في كتابه المذكور : لا يكفي ، وقاله في غلة الوقف أيضا وللشافعية أوجه : الاستحباب ، وعدمه ، والثالث وهو أصح إن صبر على الضيق استحب له وإلا فلا ، وقد ذكر ابن عقيل في مواضع : أقسم بالله لو عبس الزمان في وجهك [ ص: 650 ] مرة لعبس في وجهك أهلك وجيرانك . ثم حث على إمساك المال . وذكر ابن الجوزي في كتابه السر المصون أن الأولى أن يدخر لحاجة تعرض وأنه قد يتفق له مرفق فيخرج ما في يده فينقطع مرفقه فيلاقي من الضراء ومن الذل ما يكون الموت دونه ، فلا ينبغي لعاقل أن يعمل بمقتضى الحال الحاضرة ، بل يصور كل ما يجوز وقوعه ، وأكثر الناس لا ينظرون في العواقب ، وقد تزهد خلق كثير فأخرجوا ما بأيديهم ثم احتاجوا فدخلوا في مكروهات .

                                                                                                          والحازم من يحفظ ما في يده ، والإمساك في حق الكريم جهاد ، كما أن إخراج ما في يد البخيل جهاد ، والحاجة تحوج إلى كل محنة ، قال بشر الحافي : لو أن لي دجاجة أعولها خفت أن أكون عشارا على الجسر .

                                                                                                          وقال الثوري : من كان بيده مال فليجعله في قرن ثور ، فإنه زمان من احتاج فيه كان أول ما يبذل دينه ، قال ابن الجوزي : وبعد فإذا صدقت نية العبد وقصده رزقه الله وحفظه من الذل ، ودخل في قوله { ومن يتق الله } الآية ، قال أصحابنا : وإن أضر ذلك بنفسه أو بمن تلزمه نفقته أو بغريمه أو بكفالته أثم ( و هـ م ) وللشافعية أوجه ، ثالثها يأثم فيمن يمونه لا في نفسه ، وظاهر كلام جماعة من أصحابنا إن لم يضر فالأصل الاستحباب ، وجزم في الرعاية بما ذكره بعضهم أنه يكره التصدق قبل الوفاء والإنفاق الواجب ، وقد قال تعالى { ويؤثرون على [ ص: 651 ] أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ومن أراد الصدقة بماله كله فإن كان وحده وعلم من نفسه حسن التوكل والصبر على المسألة جاز ودليلهم يقتضي الاستحباب ، وجزم به في منتهى الغاية وغيرها ، وفاقا للشافعية ، وذكر القاضي عياض المالكي أنه جوزه جمهور العلماء وأئمة الأمصار ، وعن عمر رد جميع صدقته ، ومذهب أهل الشام ينفذ في الثلث ، وعن مكحول في النصف .

                                                                                                          وقال الطبري : المستحب الثلث .

                                                                                                          قال أصحابنا وإن لم يعلم لم يجز ، ذكره أبو الخطاب وغيره ، ويمنع من ذلك ويحجر عليه ، وذكر الشيخ وغيره : يكره ، وفاقا للشافعية ، وإن كان له عائلة ولهم كفاية أو يكفيهم بمكسبه جاز ، لقصة الصديق رضي الله عنه ، وإلا فلا ، ويكره لمن لا صبر له على الضيق ولا عادة له به أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة ، نص عليه ، وظهر مما سبق أن الفقير لا يقترض ويتصدق ، ونص أحمد في فقير لقريبه وليمة : يستقرض ويهدي له ، ذكره أبو الحسين في الطبقات ، قال شيخنا : فيه صلة الرحم بالقرض ، ويتوجه أن مراده أنه يظن وفاء .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية