الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2487 باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص175- 176 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أنس ; أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر ؟

                                                                                                                              فقال بعضهم لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش.

                                                                                                                              فحمد الله وأثنى عليه، فقال: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ لكني أصلي وأنام. وأصوم وأفطر. وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني"
                                                                                                                              . ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس ) رضي الله عنه: (أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر ؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش.

                                                                                                                              [ ص: 138 ] فحمد الله وأثنى عليه، فقال: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ " ).

                                                                                                                              هذا موافق للمعروف من خطبه "صلى الله عليه وآله وسلم"، في مثل هذا: أنه إذا كره شيئا فخطب له، ذكر كراهيته، ولا يعين فاعله.

                                                                                                                              قال النووي: وهذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وآله وسلم. فإن المقصود من ذلك: الشخص، وجميع الحاضرين، وغيرهم ممن يبلغه ذلك. ولا يحصل توبيخ صاحبه في الملأ.

                                                                                                                              (ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء. ).

                                                                                                                              فيه: دليل على أن المشروع، هو الاقتصاد في الطاعات، لأن إتعاب النفس فيها، والتشديد عليها، يفضي إلى ترك الجميع.

                                                                                                                              والدين يسر، ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه. والشريعة المطهرة، مبنية على التيسير وعدم التنفير.

                                                                                                                              (فمن رغب عن سنتي ) أي: تركها إعراضا عنها، غير معتقد لها على ما هي عليه: (فليس مني ).

                                                                                                                              قال في شرح المنتقى: المراد بالسنة: الطريقة. والرغبة: الإعراض. أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أن التارك لهديه القويم، المائل إلى الرهبانية، خارج عن الاتباع إلى الابتداع. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 139 ] قال النووي: أما الأفضل من النكاح وتركه، فالناس فيه أربعة أقسام ;

                                                                                                                              قسم ; تتوق إليه نفسه ويجد المؤن، فيستحب له النكاح.

                                                                                                                              وقسم ; لا تتوق نفسه ولا يجد المؤن، فيكره له.

                                                                                                                              وقسم ; تتوق ولا يجد المؤن، فيكره له. وهذا مأمور بالصوم، لدفع التوقان.

                                                                                                                              وقسم ; يجد المؤن ولا تتوق، فمذهب الشافعية: أن ترك النكاح لهذا، والتخلي للعبادة، أفضل. ولا يقال: النكاح مكروه. بل تركه أفضل.

                                                                                                                              ومذهب أبي حنيفة، وبعض المالكية: أن النكاح له أفضل. انتهى.

                                                                                                                              لكن قال شيخنا "في السيل الجرار": النكاح من آكد السنن. وقد أمر الله به "سبحانه" في كتابه العزيز. وثبت في السنة الصحيحة، في الصحيحين وغيرهما: الأمر به، والنهي عن التبتل، فهو سنة مؤكدة، فلا وجه لجعل بعض أقسامه مباحا أو مكروها. فإن ذلك دفع في وجه الأدلة، ورد للترغيبات الكثيرة، في صحاح الأحاديث وحسانها.

                                                                                                                              نعم ; من كان فقيرا، لا يستطيع القيام بمؤنة الزوجة، فله رخصة في ترك هذه السنة الحسنة، لقوله عز وجل: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله [ ص: 140 ] على ما في تفسيرها من الاختلاف. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية