الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 343 ] ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين ومائتين

فمن الحوادث فيها :

أن المعتضد أمر بإنشاء الكتب إلى العمال في النواحي بترك افتتاح الخراج في النيروز الذي هو نيروز العجم ، وتأخير ذلك إلى اليوم الحادي عشر من حزيران ، وسمي ذلك النيروز المعتضدي ، فأنشئت الكتب بذلك من الموصل ، والمعتضد بها ، وإنما أراد الترفيه على الناس والرفق بهم .

وفي هذه السنة : قدم ابن الجصاص من مصر ببنت أبي الجيش خمارويه بن أحمد التي تزوجها المعتضد ، ومعها أحد عمومتها ، وكان دخوله بغداد يوم الأحد لليلتين خلتا من المحرم ، وأدخلت الحرة ليلة الأحد ، فنزلت [ في ] دار صاعد ، وكان المعتضد غائبا بالموصل ، ثم نقلت إلى المعتضد لأربع خلون من ربيع الأول ، فنودي في جانبي بغداد أن لا يعبر أحد دجلة في يوم الأحد ، وغلقت أبواب الدروب التي يلين [ ص: 344 ] الشط ، ومد على الشوارع النافذة إلى دجلة شراع ، ووكل بحافتي دجلة من يمنع [ الناس ] أن يظهروا في دورهم على الشط ، فلما صليت العتمة وافت سفينة من دار المعتضد فيها خدم ، معهم الشمع ، فوقفت بإزاء دار صاعد ، وكانت قد أعدت أربع حراقات شدت مع دار صاعد ، فلما جاءت تلك السفينة أحدرت الحراقات وصارت تلك السفينة بين أيديهم ، وأقامت الحرة يوم الاثنين في دار المعتضد ، وجليت عليه يوم الثلاثاء لخمس خلون من ربيع الأول .

وفي هذه السنة منع المعتضد الناس من عمل ما كانوا يعملون به من نيروز العجم من صب الماء وإيقاد النيران وغير ذلك ، وكان هذا من أحسن ما اعتمده المعتضد .

وفيها : شخص المعتضد إلى الجبل فبلغ الكرج ، وأخذ أموالا لأبي دلف ، وكتب إلى عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف يطلب منه جوهرا كان عنده ، فوجه به إليه ، وتنحى من بين يديه .

وفيها : وجه محمد بن زيد العلوي من طبرستان إلى محمد بن ورد العطار اثنين وثلاثين ألف دينار ليفرقها على العلوية بالحرمين والكوفة ، و [ على من في ] بغداد ، فسعي به ، فأحضر دار بدر ، وسئل عن ذلك ، فذكر أنه يوجه إليه في كل سنة بمثل هذا المال فيفرقه على من يأمر بالتفرقة عليه من العلويين ، فأعلم بدر المعتضد بذلك ، وأخبره أن الرجل والمال عندنا ، فما ترى وما تأمر؟ فقال : أما تذكر الرؤيا التي خبرتك بها؟ فقال : لا يا أمير المؤمنين ! فقال : إن الناصر دعاني فقال : أعلم أن هذا الأمر سيصير إليك ، فانظر كيف تكون مع آل علي بن أبي طالب [ عليه السلام ] ثم قال : رأيت في [ ص: 345 ] النوم كأني خارج من بغداد أريد ناحية النهروان ، إذ مررت برجل واقف على تل يصلي لا يلتفت إلي ، فعجبت منه ، ومن قلة اكتراثه بعسكري ، مع تشوف الناس إلى العسكر ، فأقبلت إليه حتى وقفت بين يديه ، فلما فرغ من صلاته قال لي : أقبل ! فأقبلت إليه .

فقال : أتعرفني؟ قلت : لا . قال : أنا علي بن أبي طالب ، خذ هذه المسحاة فاضرب بها في الأرض ، فأخذتها فضربت بها ضربات ، فقال : إنه سيلي [ من ] ولدك هذا الأمر بقدر ما ضربت ، فأوصهم بولدي خيرا . قال بدر : فقلت : بلى يا أمير المؤمنين قد ذكرت ! قال : فأطلق الرجل ، وأطلق المال ، وتقدم إليه أن يكتب إلى صاحبهبطبرستان [ أن ] يوجه إليه ما يوجهه ظاهرا ، ويفرقه ظاهرا ، وتقدم بمعونة هذا على ما يريد من ذلك .

وفيها : قدم إبراهيم بن أحمد الماذرائي لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة من دمشق ، على طريق البر ، فوافى بغداد في أحد عشر يوما فأخبر المعتضد أن خمارويه ذبحه بعض خدمه على فراشه ، وكان قد بعث [ مع ] ابن الجصاص إلى خمارويه هدايا ، فأرسل إليه فرده من الطريق ، وولي بعد خمارويه ابنه جيشا فقتلوه ، وانتهبوا داره ، وأجلسوا أخاه هارون بن خمارويه ، فتقرر أنه يحمل إلى خزانة المعتضد في كل سنة ألف ألف دينار ، وخمسمائة ألف دينار ، فلما ولي المكتفي عزله ، وولى مكانه محمد بن سليمان الواثقي ، فأخذ أموال آل طولون ، وكان هذا آخر أمرهم .

وحج بالناس في هذه السنة المتقدم ذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية