الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2661 [ ص: 145 ] باب في نكاح ذات الدين

                                                                                                                              وقال النووي: (باب استحباب نكاح ذات الدين ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص51 ج10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" . ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ) رضي الله عنه ; (عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "تنكح المرأة لأربع". ). أي: لأجل أربع ;

                                                                                                                              ) لمالها، ولحسبها )، بفتحتين. أي: شرفها. وهو في الأصل: الشرف بالآباء وبالأقارب. مأخوذ من "الحساب"، لأنهم كانوا إذا تفاخروا، عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم، وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده على غيره.

                                                                                                                              وقيل: المراد هنا بالحسب: الأفعال الحسنة.

                                                                                                                              وقيل: المال. وهو مردود بذكره قبله.

                                                                                                                              [ ص: 146 ] ويؤخذ منه: أن الشريف النسيب، يستحب له أن يتزوج نسيبة إلا إن تعارض نسيبة غير دينة، وغير نسيبة دينة، فتقدم ذات الدين. وهكذا في كل الصفات.

                                                                                                                              وأما ما أخرجه أحمد، والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم: من حديث بريدة رفعه: "إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال ".

                                                                                                                              فقال الحافظ: يحتمل أن يكون المراد: أنه حسب من لا حسب له. فيقوم النسب الشريف لصاحبه، مقام المال لمن لا نسب له.

                                                                                                                              ومنه: حديث سمرة رفعه: "الحسب: المال. والكرم: التقوى. أخرجه أحمد والترمذي. وصححه هو والحاكم.

                                                                                                                              (ولجمالها ). يؤخذ منه: إباحة نكاح الجميلة. ويلحق بالجمال في الذات، الجمال في الصفات.

                                                                                                                              [ ص: 147 ] ) ولدينها. فاظفر بذات الدين ).

                                                                                                                              قال النووي: الصحيح في معنى هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع. وآخرها عندهم: ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد! بذات الدين، لا أنه أمر بذلك.

                                                                                                                              قال: وفي هذا الحديث: الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء، لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم، وبركتهم، وحسن طرائقهم، ويأمن المفسدة من جهتهم. انتهى.

                                                                                                                              وقال القرطبي: معنى الحديث: أن هذه الخصال الأربع، هي التي يرغب في نكاح المرأة لأجلها، فهو خبر عما في الوجود من ذلك، لا أنه وقع الأمر به. بل ظاهره: إباحة النكاح، لقصد كل من ذلك.

                                                                                                                              قال: ولا يظن من هذا الحديث، أن هذه الأربع يؤخذ منها الكفاءة، أي: تنحصر فيها. فإن ذلك لم يقل به أحد فيما علمت، وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي ؟

                                                                                                                              قال الشوكاني - في نيل الأوطار -: فيه دليل، على أن اللائق بذي الدين والمروة، أن يكون الدين مطمح نظره، في كل شيء، لاسيما فيما تطول صحبته: كالزوجة.

                                                                                                                              وقد وقع في حديث "عبد الله بن عمرو" عند ابن ماجه، والبزار، [ ص: 148 ] والبيهقي، رفعه: "لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن. ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن. ولكن تزوجوهن على الدين. ولأمة سوداء ذات دين أفضل". انتهى.

                                                                                                                              (تربت يداك ) أي: ألصقت بالتراب. وهي كناية عن "الفقر".

                                                                                                                              قال الحافظ: هو خبر بمعنى الدعاء. لكن لا يراد به حقيقته.

                                                                                                                              وبهذا جزم صاحب "العمدة".

                                                                                                                              وزاد غيره: إن صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حق مسلم لا يستجاب، لشرطه ذلك على ربه.

                                                                                                                              وحكى ابن العربي: أن المعنى: استغنت. ورد بأن المعروف "أترب" إذا استغنى. "وترب" إذا افتقر.

                                                                                                                              وقيل: معناه: ضعف عقلك.

                                                                                                                              وقيل: افتقرت من العلم.

                                                                                                                              وقيل: فيه شرط مقدر. أي: وقع لك إن لم تفعل. ورجحه ابن العربي.

                                                                                                                              وقيل: معنى "تربت": خابت.




                                                                                                                              الخدمات العلمية