الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3496 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 116 ] فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين

                                                                                                                                                                                                                                      فلولا كان أي فهلا وجد من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض أي بعمل الشرور والمنكرات، فإنه لو كان منهم ناهون لم يؤخذ الباقون إلا قليلا ممن أنجينا منهم استثناء منقطع. أي لكن قليلا ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد، وسائرهم تاركون للنهي.

                                                                                                                                                                                                                                      لطيفة:

                                                                                                                                                                                                                                      (البقية) إما بمعنى الباقية، والتأنيث لمعنى الخصلة أو القطعة، أو بقية من الرأي والعقل، أو بمعنى الفضيلة، والتاء للنقل إلى الاسمية كالذبيحة. وأطلق على الفضل (بقية) استعارة من البقية التي يصطفيها المرء لنفسه، ويدخرها مما ينفقه، فإنه يفعل ذلك بأنفسها. ولذا قيل: (في الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا) و (فلان من بقية القوم) أي من خيارهم، وجوز كون (البقية) مصدرا بمعنى (البقوى)، كالتقية بمعنى التقوى، أي فهلا كان منهم ذوو إبقاء على أنفسهم، وصيانة لها من سخطه تعالى وعقابه.

                                                                                                                                                                                                                                      واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه أي ما صاروا منعمين فيه من الشهوات، حتى فجأهم العذاب، واتباعه كناية عن الاهتمام به، وترك غيره، كما هو دأب التابع للشيء.

                                                                                                                                                                                                                                      و الذين ظلموا أعم من المباشرين بأنفسهم للفساد، ومن تاركي النهي عنه، وقصره الزمخشري على الثاني، لأنهم المقصود بالنعي قبله، حيث قال: أراد بـ (الذين ظلموا) تاركي النهي عن المنكرات، أي لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعقدوا هممهم بالشهوات، واتبعوا ما عرفوا فيه التنعم والتترف، من حب الرئاسة والثروة، وطلب أسباب العيش الهنيء، ورفضوا ما وراء ذلك، ونبذوه وراء ظهورهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3497 ] وكانوا مجرمين أي باتباعهم المذكور، أو كافرين. قال القاضي: كأنه أراد أن يبين ما كان السبب لاستئصال الأمم السالفة، وهو فشو الظلم فيهم، واتباعهم للهوى، وترك النهي عن المنكرات مع الكفر، وقد أشير لذلك بقوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية