الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون

                                                                                                                                                                                                "القول " : القرآن ، يقول : أفلم يتدبروه ؛ ليعلموا أنه الحق المبين فيصدقوا به وبمن جاء به ، بل جاءهم ما لم يأت آباءهم ؛ فلذلك أنكروه واستبدعوه ؛ كقوله : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون [يس : 6 ] ، أو ليخافوا عنه تدبر آياته وأقاصيصه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين ، أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم ؛ حين خافوا الله فآمنوا به وبكتبه ورسله وأطاعوه ؟ وآباؤهم : إسماعيل وأعقابه من عدنان وقحطان ، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم - : "لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين ، ولا تسبوا قسا ؛ فإنه كان مسلما ، ولا تسبوا الحارث بن كعب ولا أسد بن خزيمة ولا تميم بن مر ؛ فإنهم كانوا على الإسلام ، وما شككتم فيه من شيء فلا تشكوا في أن تبعا كان مسلما " ، وروي في [ ص: 240 ] أن ضبة كان مسلما ، وكان على شرطة سليمان بن داود ، أم لم يعرفوا : محمدا وصحة نسبه ، وحلوله في سطة هاشم ، وأمانته ، وصدقه ، وشهامته ، وعقله واتسامه بأنه خير فتيان قريش ، والخطبة التي خطبها أبو طالب في نكاح خديجة بنت خويلد ، كفى برغائها مناديا .

                                                                                                                                                                                                الجنة : الجنون ، وكانوا يعلمون أنه بريء منها وأنه أرجحهم عقلا وأثقبهم ذهنا ، ولكنه جاءهم بما خالف شهواتهم وأهواءهم ، ولم يوافق ما نشؤوا عليه ، وسيط بلحومهم ، ودمائهم من اتباع الباطل ، ولم يجدوا له مردا ولا مدفعا ؛ لأنه الحق الأبلج والصراط المستقيم ، فأخلدوا إلى البهت ، وعولوا على الكذب من النسبة إلى الجنون والسحر والشعر .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : قوله : "وأكثرهم" فيه أن أقلهم كانوا لا يكرهون الحق .

                                                                                                                                                                                                قلت : كان فيهم من يترك الإيمان به أنفة واستنكافا من توبيخ قومه ، وأن يقولوا : صبأ وترك دين آبائه ، لا كراهة للحق ، كما يحكى عن أبي طالب .

                                                                                                                                                                                                [ ص: 241 ] فإن قلت : بزعم بعض الناس أن أبا طالب صح إسلامه .

                                                                                                                                                                                                قلت : يا سبحان الله! كأن أبا طالب كان أخمل أعمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يشتهر إسلام حمزة والعباس -رضي الله عنهما- ويخفى إسلام أبي طالب .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية