الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان

                                                                                                                                                                                                                                      يا صاحبي السجن أما أحدكما وهو الشرابي، وإنما لم يعينه ثقة بدلالة التعبير وتوسلا بذلك إلى إبهام أمر صاحبه حذار مشافهته بما يسوءه فيسقي ربه أي: سيده خمرا روي أنه - عليه السلام - قال له: ما رأيت من الكرمة وحسنها الملك وحسن حالك عنده، وأما القضبان الثلاثة فثلاثة أيام تمضي في السجن، ثم تخرج وتعود إلى ما كنت عليه، وقرأ عكرمة: (فيسقى ربه) على البناء للمفعول، أي: يسقى ما يروى به.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الآخر وهو الخباز فيصلب فتأكل الطير من رأسه روي أنه - عليه السلام - قال له: ما رأيت من السلال الثلاث ثلاثة أيام تمر ثم تخرج فتقتل قضي أي: أتم وأحكم الأمر الذي فيه تستفتيان وهو ما رأياه من الرؤييين قطعا لا مآله الذي هو عبارة عن نجاة أحدهما وهلاك الآخر، كما يوهمه إسناد القضاء إليه؛ إذ الاستفتاء إنما يكون في الحادثة لا في حكمها، يقال: استفتى الفقيه في الحادثة، أي: طلب منه بيان حكمها، ولا يقال: استفتاه في حكمها، وكذا الإفتاء، فإنه يقال: أفتى فلان في الواقعة الفلانية بكذا، ولا يقال: أفتى في حكمها أو جوابها بكذا، ومما هو علم في ذلك قوله تعالى: يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي ومعنى استفتائهما فيه طلبهما لتأويله بقولهما: (نبئنا بتأويله) وإنما عبر عن ذلك بالأمر وعن طلب تأويله بالاستفتاء؛ تهويلا لأمره وتفخيما لشأنه، إذ الاستفتاء إنما يكون في النوازل المشكلة الحكم المبهمة الجواب، وإيثاره صيغة الاستقبال - مع سبق استفتائهما في ذلك - لما أنهما بصدده إلى أن يقضي - عليه السلام - من الجواب وطره، وإسناد القضاء إليه - مع أنه من أحوال مآله - لأنه في الحقيقة عين ذلك المآل، وقد ظهر في عالم المثال بتلك الصورة، وأما توحيده - مع تعدد رؤياهما - فوارد على حسب ما وحده في قولهما: (نبئنا بتأويله) لا لأن الأمر ما اتهما به وسجنا لأجله من سم الملك، فإنهما لم يستفتيا فيه ولا فيما هو صورته، بل فيما هو صورة لمآله وعاقبته، فتأمل.

                                                                                                                                                                                                                                      وإنما أخبرهما - عليه السلام - بذلك تحقيقا لتعبيره وتأكيدا له، وقيل: لما عبر رؤياهما جحدا، وقالا: ما رأينا شيئا، فأخبرهما أن ذلك كائن صدقتما أو كذبتما، ولعل الجحود من الخباز إذ لا داعي إلى جحود الشرابي إلا أن يكون ذلك لمراعاة جانبه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية