الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين

                                                                                                                                                                                                                                      وقال [ ص: 280 ] أي: يوسف - عليه السلام -: للذي ظن أنه ناج أوثر على صيغة المضارع مبالغة في الدلالة على تحقق النجاة، حسبما يفيده قوله تعالى: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان وهو السر في إيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال: للذي ظنه ناجيا منهما من صاحبيه، وإنما ذكر بوصف النجاة؛ تمهيدا لمناط التوصية بالذكر عند الملك، وعنوان التقرب المفهوم من التعبير المذكور - وإن كان أدخل في ذلك وأدعى إلى تحقيق ما وصاه به - لكنه ليس بوصف فارق يدور عليه الامتياز بينه وبين صاحبه المذكور بوصف الهلاك، والظان هو يوسف - عليه السلام - لا صاحبه؛ لأن التوصية المذكورة لا تدور على ظن الناجي، بل على ظن يوسف وهو بمعنى اليقين، كما في قوله تعالى: ظننت أني ملاق حسابيه فالتعبير بالوحي كما ينبئ عنه قوله تعالى قضي الأمر ... إلخ، وقيل: هو بمعناه، والتعبير بالاجتهاد والحكم بقضاء الأمر أيضا اجتهادي.

                                                                                                                                                                                                                                      اذكرني بما أنا عليه من الحال والصفة عند ربك سيدك، وصفني له بصفتي التي شاهدتها فأنساه الشيطان أي: أنسى الشرابي بوسوسته وإلقائه في قلبه أشغالا تعوقه عن الذكر، وإلا فالإنساء في الحقيقة لله - عز وجل - والفاء للسببية، فإن توصيته - عليه السلام - المتضمنة للاستعانة بغيره سبحانه كانت باعثة لما ذكر عن الإنساء ذكر ربه أي: ذكر الشرابي له - عليه السلام - عند الملك، والإضافة لأدنى ملابسة، أو ذكر إخبار ربه فلبث أي: يوسف - عليه السلام - بسبب ذلك الإنساء أو القول في السجن بضع سنين البضع: ما بين الثلاث إلى التسع، من البضع وهو القطع، وأكثر الأقاويل أنه لبث فيه سبع سنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رحم الله أخي يوسف لو لم يقل: (اذكرني عند ربك) لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس» والاستعانة بالعباد - وإن كانت مرخصة - لكن اللائق بمناصب الأنبياء - عليهم السلام - الأخذ بالعزائم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية