الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 3427 ] كتاب الحبس والصدقة

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ف) نسخة فرنسا رقم (1071)

                                                                                                                                                                                        2 - (ق 6) نسخة القرويين رقم (368)

                                                                                                                                                                                        [ ص: 3428 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 3429 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه

                                                                                                                                                                                        كتاب الحبس والصدقة

                                                                                                                                                                                        باب فيمن حبس شيئا في سبيل الله -عز وجل-

                                                                                                                                                                                        قال مالك فيمن حبس في سبيل الله: فسبل الله تعالى كثيرة، ولكن يجعل في الغزو . وقال أشهب في المجموعة: القياس أنه في أي سبيل خير وضع جاز والاستحسان أن يجعل في الغزو .

                                                                                                                                                                                        والمسألة على ثلاثة أوجه: فإما أن يقول حبس في سبيل الله تعالى فيكون قد قيد من الطرفين أو يقول حبس ولا يسمي ما يصرف فيه أو يقول في سبيل الله -عز وجل-، ولا يقول حبس، فإن قال: حبس في سبيل الله جعل في الغزو كما قال مالك; لأن العادة جارية أن المراد بهذا اللفظ الجهاد، وإن كان غيره مما يتقرب به إلى الله -عز وجل- من سبيل الله تعالى، قال الله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين [التوبة: 60] ، ثم قال: وفي سبيل الله ولا خلاف أن المراد بقوله تعالى: وفي سبيل الله ها هنا: الغزو، وإن كانت الصدقات المذكورة في الآية من سبيل الله، وقال فيمن قال "داري حبس" ولم يجعل لها مخرجا: أراها [ ص: 3430 ] حبسا في الفقراء والمساكين .

                                                                                                                                                                                        وقال ربيعة في المبسوط فيمن حبس رباعا ولم يزد على ذلك، قال: يسكنها الولد والقرابة والرحم. وهذا أحسن لحديث أبي طلحة قال: إن أحب أموالي إلي بيرحاء، الحديث. فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلها في الأقربين . ولا يمنع مالك أن يبتدئ بالأقارب والرحم.

                                                                                                                                                                                        قال مالك: وإن كانت في الإسكندرية وجل ما يحبس فيها في سبيل الله فليجتهد في ذلك الوالي، وأرجو أن يكون له سعة في ذلك ، وقال أشهب: يجعل حبسا في سبيل الله -عز وجل- .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن ينظر في ذلك، فإن كان جل الأحباس من الرباع وغيرها في سبيل الله جعلت الدار في سبيل الله، فإن كانت للسكنى سكنها أهل الغزو، وإن كانت للغلة أكريت وفرق فيهم غلتها، وإن كان جل الأحباس في السبيل من غير الرباع جعلت في الفقراء.

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب النذور فيمن جعل شيئا من ماله في سبيل الله: فإنه يبيعه ويجعل ثمنه لمن يغزو به . وقال مالك في كتاب الوصايا من كتاب محمد فيمن أوصى بسلاحه في سبيل الله: لا أحب أن يعطى أهل الغنى وليعط أهل [ ص: 3431 ] الحاجة . قال: ولا يجعل حبسا ولكن يجتهد فيه .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يجعل حبسا ولا يباع، وكذلك إذا قال في فرس أو سيف أو درع أو غيره من آلة الجهاد: وهو حبس، ولم يقل: في سبيل الله، أو قال: في سبيل الله، ولم يقل حبسا فيكون عند ذلك حبسا في الغزو كالذي قال: في سبيل الله، فإن قال: داري حبس في سبيل الله، وكانت في المواحيز ، ومما يراد للسكنى سكنها أهل الغزو، وإن كانت للغلة فرقت غلتها عليهم، وإن لم تكن في المواحيز وكان شأنهم أن يبعثوا إلى أهل الغزو وكانت دار السكنى والغلة سواء تؤاجر وتبعث غلتها، وإن لم يكن الشأن البعثة إليهم حمل قوله في سبيل الله -عز وجل- على ما يكون في سبيل الله من غير الغزو، فيسكنها الفقراء والمساكين وتكرى لهم إن كانت للغلة، وإن رأى أن يجعل الغلة في إصلاح المساجد أو القناطير أو غير ذلك جاز.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: في سبيل الله، ولم يقل: حبس، بيعت الرقبة، وبعث بالثمن إن كان الشأن البعثة وإن لم يكن فرق، وإن قال: حائطي حبس في سبيل الله، فرق غلته في السبيل، وإن قال: في سبيل الله، ولم يقل: حبس، بيع وصرف ثمنه في [ ص: 3432 ] المجاهدين والسلاح والكراع، وإن قال في ثياب: "هي حبس في سبيل الله" لبسها المجاهدون، وإن قال: في سبيل الله، ولم يقل: حبس، بيعت.

                                                                                                                                                                                        وإن قال في عبد: هو حبس في سبيل الله، فإن كانت صناعته مما تراد للجهاد صيقلا أو سراجا أو قواسا أو نجارا أوقف لمثل ذلك، وكذلك إن قال: في سبيل الله، ولم يقل: حبس، وإن كان شجاعا يعرف بالنجدة وذلك قصد سيده كان العبد بالخيار بين أن يقبل ويوقف لذلك أو يأبى فيباع ويصرف ثمنه في سلاح وغيره; لأن الجهاد ساقط عنه، وليس لسيده أن يلزمه القتال، وإن كان يراد للغلة افترق الجواب، فإن قال: حبس فرقت غلته، وإن لم يقل حبس بيعت رقبته، وكذلك إن كان للخدمة، فإن حبس عينه خدم في الجهاد، وإن لم يقل حبس بيعت رقبته.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية