الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: كتب عليكم ؛ المعنى: " وكتب عليكم " ؛ إلا أن الكلام إذا طال؛ استغني عن العطف بالواو؛ وعلم أن معناه معنى الواو؛ ولأن القصة الأولى قد استتمت؛ وانقضى معنى الفرض فيها؛ فعلم أن المعنى: " فرض عليكم القصاص؛ وفرض عليكم الوصية " ؛ ومعنى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ؛ هذا الفرض بإجماع نسخته آيات المواريث في سورة " النساء " ؛ وهذا مجمع [ ص: 250 ] عليه؛ ولكن لا بد من تفسيره؛ ليعلم كيف كان وجه الحكمة فيه؛ لأن الله - عز وجل - لا يتعبد في وقت من الأوقات إلا بما فيه الحكمة البالغة؛ فمعنى " كتب عليكم " : " فرض عليكم؛ إن ترك أحدكم مالا؛ الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف " ؛ فرفع " الوصية " ؛ على ضربين؛ أحدهما على ما لم يسم فاعله؛ كأنه قال: " كتب عليكم الوصية للوالدين " ؛ أي: " فرض عليكم " ؛ ويجوز أن يكون رفع الوصية على الابتداء؛ ويجوز أن تكون " للوالدين " ؛ الخبر؛ ويكون على مذهب الحكاية؛ لأن معنى " كتب عليكم " : " قيل لكم: الوصية للوالدين والأقربين " ؛ وإنما أمروا بالوصية في ذلك الوقت لأنهم كانوا ربما جاوزوا بدفع المال إلى البعداء؛ طلبا للرياء والسمعة؛ ومعنى حضر أحدكم الموت ؛ ليس هو أنه كتب عليه أن يوصي إذا حضره الموت؛ لأنه إذا عاين الموت يكون في شغل عن الوصية وغيرها؛ ولكن المعنى: " كتب عليكم أن توصوا وأنتم قادرون على الوصية؛ فيقول الرجل: إذا حضرني الموت - أي: إذا أنا مت -: فلفلان كذا " ؛ على قدر ما أمر به؛ والذي أمر به أن يجتهد في العدل في وقت الإمهال؛ فيوصي بالمعروف؛ كما قال الله - عز وجل - لوالديه؛ ولأقربيه؛ ومعنى " بالمعروف " : بالشيء الذي يعلم ذو التمييز أنه لا جنف فيه؛ ولا جور؛ وقد قال قوم: إن المنسوخ من هذا ما نسخته المواريث؛ وأمر الوصية في الثلث باق؛ وهذا القول ليس بشيء؛ لأن إجماع المسلمين أن ثلث الرجل له؛ إن شاء أن يوصي بشيء فله؛ وإن ترك فجائز؛ فالآية في [ ص: 251 ] قوله: " كتب عليكم... الوصية " ؛ منسوخة بإجماع؛ وكما وصفنا. وقوله - عز وجل -: حقا على المتقين ؛ نصب على: " حق ذلك عليكم حقا " ؛ ولو كان في غير القرآن فرفع؛ كان جائزا؛ على معنى: " ذلك حق على المتقين " .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية