الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حدث ]

                                                          حدث : الحديث : نقيض القديم . والحدوث : نقيض القدمة . حدث الشيء يحدث حدوثا وحداثة ، وأحدثه هو ، فهو محدث وحديث ، وكذلك استحدثه . وأخذني من ذلك ما قدم وحدث ؛ ولا يقال حدث ، بالضم ، إلا مع قدم ، كأنه إتباع ، ومثله كثير . وقال الجوهري : لا يضم حدث في شيء من الكلام إلا في هذا الموضع ، وذلك لمكان قدم على الازدواج . وفي حديث ابن مسعود : ( أنه سلم عليه ، وهو يصلي ، فلم يرد عليه السلام قال : فأخذني ما قدم ، وما حدث ) يعني همومه وأفكاره القديمة والحديثة . يقال : حدث الشيء فإذا قرن بقدم ضم للازدواج . والحدوث : كون شيء لم يكن . وأحدثه الله فحدث . وحدث أمر أي وقع . ومحدثات الأمور : ما ابتدعه أهل الأهواء من الأشياء التي كان السلف الصالح على غيرها . وفي الحديث : ( إياكم ومحدثات الأمور ) جمع محدثة بالفتح ، وهي ما لم يكن معروفا في كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع . وفي حديث بني قريظة : لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة كانت أحدثت حدثا قيل : حدثها أنها سمت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : ( كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) . وفي حديث المدينة : ( من أحدث فيها حدثا ، أو آوى محدثا ) الحدث : الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ، ولا معروف في السنة ، والمحدث : يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول ، فمعنى الكسر من نصر جانيا ، وآواه وأجاره من خصمه ، وحال بينه وبين أن يقتص منه ؛ وبالفتح ، هو الأمر المبتدع نفسه ، ويكون معنى الإيواء فيه الرضا به ، والصبر عليه ، فإنه إذا رضي بالبدعة ، وأقر فاعلها ولم ينكرها عليه ، فقد [ ص: 53 ] آواه . واستحدثت خبرا أي وجدت خبرا ؛ جديدا قال ذو الرمة :


                                                          أستحدث الركب عن أشياعهم خبرا أم راجع القلب ، من أطرابه ، طرب ؟



                                                          وكان ذلك في حدثان أمر كذا أي في حدوثه . وأخذ الأمر بحدثانه وحداثته أي بأوله وابتدائه . وفي حديث عائشة ، رضي الله عنها : لولا حدثان قومك بالكفر ، لهدمت الكعبة وبنيتها . حدثان الشيء ، بالكسر : أوله ، وهو مصدر حدث يحدث حدوثا وحدثانا ؛ والمراد به قرب عهدهم بالكفر والخروج منه ، والدخول في الإسلام ، وأنه لم يتمكن الدين من قلوبهم ، فلو هدمت الكعبة وغيرتها ، ربما نفروا من ذلك . وفي حديث حنين : ( إني لأعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم ) وهو جمع صحة لحديث ، وهو فعيل بمعنى فاعل . ومنه الحديث : أناس حديثة أسنانهم ؛ حداثة السن : كناية عن الشباب وأول العمر ؛ ومنه حديث أم الفضل : ( زعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحدثى ) هي تأنيث الأحدث يريد المرأة التي تزوجها بعد الأولى . وحدثان الدهر وحوادثه : نوبه ، وما يحدث منه واحدها حادث ؛ وكذلك أحداثه ، واحدها حدث . الأزهري : الحدث من أحداث الدهر : شبه النازلة . والأحداث : الأمطار الحادثة في أول السنة ؛ قال الشاعر :


                                                          تروى من الأحداث ، حتى تلاحقت     طرائقه ، واهتز بالشرشر المكر



                                                          أي مع الشرشر ؛ فأما قول الأعشى :


                                                          فإما تريني ولي لمة فإن الحوادث أودى بها



                                                          فإنه حذف للضرورة ، وذلك لمكان الحاجة إلى الردف ؛ وأما أبو علي الفارسي فذهب إلى أنه وضع الحوادث موضع الحدثان ، كما وضع الآخر الحدثان موضع الحوادث في قوله :


                                                          ألا هلك الشهاب المستنير     ومدرهنا الكمي إذا نغير
                                                          ووهاب المئين ، إذا ألمت     بنا الحدثان ، والحامي النصور



                                                          الأزهري : وربما أنثت العرب الحدثان ، يذهبون به إلى الحوادث ، وأنشد الفراء هذين البيتين أيضا ، وقال عوض قوله ووهاب المئين : وحمال المئين ، قال : وقال الفراء : تقول العرب أهلكتنا الحدثان ؛ قال : وأما حدثان الشباب ، فبكسر الحاء وسكون الدال . قال أبو عمرو الشيباني : تقول أتيته في ربى شبابه ، وربان شبابه ، وحدثى شبابه ، وحديث شبابه ، وحدثان شبابه ، بمعنى واحد ؛ قال الجوهري : الحدث والحدثى والحادثة والحدثان ، كله بمعنى ، والحدثان : الفأس ، على التشبيه بحدثان الدهر ؛ قال ابن سيده : ولم يقله أحد ؛ أنشد أبو حنيفة :


                                                          وجون تزلق الحدثان فيه     إذا أجراؤه نحطوا ، أجابا



                                                          الأزهري : أراد بجون جبلا . وقوله أجابا : يعني صدى الجبل يسمعه . والحدثان : الفأس التي لها رأس واحد . وسمى سيبويه المصدر حدثا ؛ لأن المصادر كلها أعراض حادثة ، وكسره على أحداث ، قال : وأما الأفعال فأمثلة أخذت من أحداث الأسماء . الأزهري : شاب حدث فتي السن . ابن سيده : ورجل حدث السن وحديثها : بين الحداثة والحدوثة . ورجال أحداث السن ، وحدثانها ، وحدثاؤها . ويقال : هؤلاء قوم حدثان ، جمع حدث ، وهو الفتي السن . الجوهري : ورجل حدث أي شاب ، فإن ذكرت السن قلت : حديث السن ، وهؤلاء غلمان حدثان أي أحداث . وكل فتي من الناس والدواب والإبل : حدث والأنثى حدثة . واستعمل ابن الأعرابي الحدث في الوعل ، فقال : إذا كان الوعل حدثا ، فهو صدع . والحديث : الجديد من الأشياء . والحديث : الخبر يأتي على القليل والكثير ، والجمع : أحاديث ، كقطيع وأقاطيع ، وهو شاذ على غير قياس ، وقد قالوا في جمعه : حدثان وحدثان ، وهو قليل ؛ أنشد الأصمعي :


                                                          تلهي المرء بالحدثان لهوا     وتحدجه كما حدج المطيق



                                                          وبالحدثان أيضا ؛ ورواه ابن الأعرابي : بالحدثان ؛ وفسره ؛ فقال : إذا أصابه حدثان الدهر من مصائبه ومرازئه ، ألهته بدلها وحديثها عن ذلك . وقوله تعالى : إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا عنى بالحديث القرآن ؛ عن الزجاج . والحديث : ما يحدث به المحدث تحديثا ؛ وقد حدثه الحديث وحدثه به . الجوهري : المحادثة والتحادث والتحدث والتحديث : معروفات . ابن سيده : وقول سيبويه في تعليل قولهم : لا تأتيني فتحدثني ، قال : كأنك قلت ليس يكون منك إتيان فحديث ، إنما أراد فتحديث ، فوضع الاسم موضع المصدر ، لأن مصدر حدث إنما هو التحديث ، فأما الحديث فليس بمصدر . وقوله تعالى : وأما بنعمة ربك فحدث أي بلغ ما أرسلت به ، وحدث بالنبوة التي آتاك الله ، وهي أجل النعم . وسمعت حديثى حسنة ، مثل خطيبى أي حديثا . والأحدوثة : ما حدث به . الجوهري : قال الفراء : نرى أن واحد الأحاديث أحدوثة ، ثم جعلوه جمعا للحديث ؛ قال ابن بري : ليس الأمر كما زعم الفراء ؛ لأن الأحدوثة ، بمعنى الأعجوبة ، يقال : قد صار فلان أحدوثة . فأما أحاديث النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فلا يكون واحدها إلا حديثا ، ولا يكون أحدوثة ، قال : وكذلك ذكره سيبويه في باب ما جاء جمعه على غير واحده المستعمل ، كعروض وأعاريض ، وباطل وأباطيل . وفي حديث فاطمة ، عليها السلام : أنها جاءت إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فوجدت عنده حداثا ؛ أي جماعة يتحدثون ؛ وهو جمع على غير قياس ، حملا على نظيره نحو سامر وسمار فإن السمار المحدثون . وفي الحديث : ( يبعث الله السحاب فيضحك أحسن الضحك ويتحدث أحسن الحديث ) . قال ابن الأثير : جاء في الخبر أن حديثه الرعد ، وضحكه البرق ، وشبهه بالحديث لأنه يخبر عن المطر وقرب مجيئه ، فصار كالمحدث به ؛ ومنه قول نصيب :


                                                          فعاجوا ، فأثنوا بالذي أنت أهله [ ص: 54 ]     ولو سكتوا ، أثنت عليك الحقائب



                                                          وهو كثير في كلامهم . ويجوز أن يكون أراد بالضحك : افترار الأرض بالنبات وظهور الأزهار ، وبالحديث : ما يتحدث به الناس في صفة النبات وذكره ؛ ويسمى هذا النوع في علم البيان : المجاز التعليقي ، وهو من أحسن أنواعه . ورجل حدث وحدث وحدث وحديث ومحدث ، بمعنى واحد : كثير الحديث ، حسن السياق له ؛ كل هذا على النسب ونحوه . والأحاديث في الفقه وغيره معروفة ، ويقال : صار فلان أحدوثة أي أكثروا فيه الأحاديث . وفلان حدثك أي محدثك والقوم يتحادثون ويتحدثون ، وتركت البلاد تحدث أي تسمع فيها دويا ؛ حكاه ابن سيده عن ثعلب . ورجل حديث ، مثال فسيق أي كثير الحديث . ورجل حدث ملوك ، بكسر الحاء ، إذا كان صاحب حديثهم وسمرهم ؛ وحدث نساء : يتحدث إليهن ، كقولك : تبع نساء ، وزير نساء . وتقول : افعل ذلك الأمر بحدثانه وبحدثانه أي أوله وطراءته . ويقال للرجل الصادق الظن : محدث ، بفتح الدال مشددة . وفي الحديث : ( قد كان في الأمم محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد ، فعمر بن الخطاب ) جاء في الحديث : تفسيره أنهم الملهمون ؛ والملهم : هو الذي يلقى في نفسه الشيء ، فيخبر به حدسا وفراسة ، وهو نوع يخص الله به من يشاء من عباده الذين اصطفى مثل عمر ، كأنهم حدثوا بشيء فقالوه . ومحادثة السيف : جلاؤه . وأحدث الرجل سيفه ، وحادثه إذا جلاه . وفي حديث الحسن : ( حادثوا هذه القلوب بذكر الله فإنها سريعة الدثور ) معناه : اجلوها بالمواعظ ، واغسلوا الدرن عنها ، وشوقوها حتى تنفوا عنها الطبع والصدأ الذي تراكب عليها من الذنوب وتعاهدوها بذلك ، كما يحادث السيف بالصقال ؛ قال لبيد :


                                                          كنصل السيف ، حودث بالصقال



                                                          والحدث : الإبداء ؛ وقد أحدث : من الحدث . ويقال : أحدث الرجل إذا صلع ، أو فصع ، وخضف ، أي ذلك فعل فهو محدث ؛ قال : وأحدث الرجل وأحدثت المرأة إذا زنيا ؛ يكنى بالإحداث عن الزنا . والحدث مثل الولي ، وأرض محدوثة : أصابها الحدث . والحدث : موضع متصل ببلاد الروم مؤنثة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية