الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الطهارة فإذا أتيت بها في مكانك وهو ظرفك الأبعد ثم في ثيابك وهي غلافك الأقرب ثم في بشرتك وهي قشرك الأدنى فلا تغفل عن لبك الذي هو ذاتك وهو قلبك فاجتهد له تطهيرا بالتوبة والندم على ما فرطت وتصميم العزم على الترك في المستقبل فطهر بها باطنك فإنه موضع نظر معبودك .

التالي السابق


(وأما الطهارة) ، فهي على قسمين: صغرى وكبرى، فالصغرى متعلقها ثلاثة؛ المكان والثوب والبدن، والمزال عنها الحدث والخبث، والكبرى متعلقها القلب، والمزال عنه الصفات الذميمة، والمزيل في القسم الأول الماء، وفي الثاني التوبة، ثم إن القسم الأول هو حظ الفقهاء، فلا يعدو نظرهم عنه؛ لأنهم لا يشقون عن القلوب، والثاني حظ الخاشعين. وقد أشار المصنف إلى القسمين بقوله: (فإذا أتيت بها في مكانك) الذي تصلي عليه بأن طهرته من كل نجاسة ظاهرة، (وهو ظرفك الأبعد) جعل المكان ظرفا إذ بالصلاة عليه صار كأنه يحل فيه، ووصفه بالأبعد نظرا للبدن والثوب، أو سماه ظرفا تشبيها بالإناء الذي يوضع فيه الشيء، (ثم) أتيت بها (في ثيابك) التي تلبسها على بدنك، (وهي غلافك الأقرب) ، سمي الثياب غلافا تشبيها لها بغلاف السكين ونحوه، أي: ما يحجبه ويصونه بجامع الحجب والصون في كل منهما، ووصفه بالأقرب بالنسبة إلى المكان لشدة ملازمتها للبدن (ثم) أتيت بها (في بشرتك) بالتحريك هو البدن (وهو قشرك الأدنى) ، أي: الأقرب (فلا تغفل عن لبك الذي هو ذاتك) ، أي: حقيقتك (وهو قلبك) شبهه بالثمرة التي لها قشور داخلة وظاهرة موضوعة في ظرف، فذلك الظرف هو المكان وقشره الخارج الثوب، وقشره الداخل هو البدن، ولبه الباطن هو القلب، (فاجتهد له تطهيرا) ينظفه من سائر الخبائث (بالتوبة) الصادقة بشروطها، (و) أعظمها (الندم على ما فرط) منك أي: سبق، (وتصحيح العزم) وتأكيده (على الترك) ، أي: ترك العود (في المستقبل) ، فإذا وجد توثيق العزم على أن لا يعود مع الندم فهي التوبة النصوح (فطهر بها) ، أي: بالتوبة (باطنك) ، أي: قلبك، (فإنه موقع نظر معبودك) كما ورد: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم، إنما ينظر إلى قلوبكم". وورد أيضا: القلب بيت الإيمان بالله ومعرفته ومحبته.

وأما ما اشتهر على الألسنة: القلب بيت الرب، فمعناه صحيح، ولكن هذا اللفظ ليس له أصل في المرفوع كما نبه عليه السخاوي في المقاصد، ويكفيك من جلالته أنه إذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله، كما في الصحيحين، ثم إن تطهير القلب بما ذكر لا بد له من مرشد صادق ماهر بالعلاج يريه طرق الإصلاح وكيفية التطهير، فليس له حد يضبط، ولا مرمى ينتهي إليه، فإذا حصل التطهير فلا بد من التنوير وتصقيله عن صدى التكدير بالملازمة على ذكره المناسب لحاله في الإيراد والتصدير .




الخدمات العلمية