الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون

                                                                                                                                                                                                "حتى " : يتعلق بيصفون ، أي : لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت ، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض والتأكيد للإغضاء عنهم ، مستعينا بالله على الشيطان أن يستزله عن الحلم ويغريه على الانتصار منهم ، أو على قوله : وإنهم لكاذبون : خطاب الله بلفظ الجمع للتعظيم ؛ كقوله [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                فإن شئت حرمت النساء سواكم



                                                                                                                                                                                                وقوله [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                ألا فارحموني يا إله محمد



                                                                                                                                                                                                إذا أيقن بالموت واطلع على حقيقة الأمر ، أدركته الحسرة على ما فرط فيه من الإيمان والعمل الصالح فيه ، فسأل ربه الرجعة ، وقال : لعلي أعمل صالحا : في الإيمان الذي تركته ، والمعنى : لعلي آتي بما تركته من الإيمان ، وأعمل فيه صالحا ، كما تقول : لعلي أبني على أس ، تريد : أأسس أسا وأبني عليه ، وقيل : فيما تركت من المال ، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم - : "إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا : نرجعك إلى الدنيا ، فيقول : إلى دار الهموم والأحزان بل قدوما إلى الله . وأما الكافر فيقول : رب ارجعون " ، [ ص: 250 ] "كلا " : ردع عن طلب الرجعة ، وإنكار واستبعاد ، والمراد بالكلمة : الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض ؛ وهي قوله : لعلي أعمل صالحا فيما تركت ، هو قائلها : لا محالة ، لا يخليها ولا يسكت عنها ؛ لاستيلاء الحسرة عليه وتسلط الندم ، أو هو قائلها وحده لا يجاب إليها ولا تسمع منه ، ومن ورائهم برزخ والضمير : للجماعة ، أي : أمامهم حائل بينهم وبين الرجعة إلى يوم البعث ، وليس المعنى : أنهم يرجعون يوم البعث ؛ وإنما هو إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية