الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون

كان استعجالهم بالعذاب استهزاء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبه ، وكان ناشئا عن عقيدة الإشراك التي من أصولها استحالة إرسال الرسل من البشر .

وأتبع تحقيق مجيء العذاب بتنزيه الله عن الشريك فقفي ذلك بتبرئة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الكذب فيما يبلغه عن ربه ، ووصف لهم الإرسال وصفا موجزا ، وهذا اعتراض في أثناء الاستدلال على التوحيد .

والمراد بالملائكة الواحد منهم وهو جبرئيل عليه السلام .

والروح : الوحي ، أطلق عليه اسم الروح على وجه الاستعارة ; لأن الوحي به هدى للعقول إلى الحق ، فشبه الوحي بالروح كما يشبه العلم الحق بالحياة ، وكما يشبه الجهل بالموت قال تعالى أومن كان ميتا فأحييناه .

[ ص: 99 ] ووجه تشبيه الوحي بالروح أن الوحي إذا وعته العقول حلت بها الحياة المعنوية - وهو العلم - كما أن الروح إذا حل في الجسم حلت به الحياة الحسية ، قال تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا .

ومعنى ( من أمره ) الجنس ، أي من أموره ، وهي شئونه ومقدراته التي استأثر بها ، وذلك إضافته إلى الله كما هنا وكما في قوله تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ، وقوله تعالى يحفظونه من أمر الله ، وقوله تعالى قل الروح من أمر ربي لما تفيده الإضافة من التخصيص .

وقرأ الجمهور ( ينزل ) بتشديد الزاي ، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بكسر النون .

وقرأ الجمهور ( ينزل ) بياء تحتية مضمومة وفتح النون وتشديد الزاي مكسورة ، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب بسكون النون وتخفيف الزاي مكسورة و ( الملائكة ) منصوبا .

وقرأه روح عن يعقوب بتاء فوقية مفتوحة ، وفتح النون ، وتشديد الزاي مفتوحة ورفع ( الملائكة ) على أن أصله تتنزل .

وقوله تعالى على من يشاء من عباده رد على فنون من تكذيبهم ، فقد قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ، وقالوا فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب أي كان ملكا ، وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، ومشيئة الله جارية على وفق حكمته ، قال تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالاته .

و أن أنذروا تفسير لفعل ( ينزل ) ; لأنه في تقدير ينزل الملائكة بالوحي .

وقوله بالروح من أمره على من يشاء من عباده اعتراض واستطراد بين فعل ( ينزل ) ومفسره .

[ ص: 100 ] و أنه لا إله إلا أنا متعلق بـ ( أنذروا ) على حذف حرف الجر حذفا مطردا مع ( أن ) ، والتقدير : أنذروا بأنه لا إله إلا أنا ، والضمير المنصوب بـ ( أن ) ضمير الشأن ، ولما كان هذا الخبر مسوقا للذين اتخذوا مع الله آلهة أخرى ، وكان ذلك ضلالا يستحقون عليه العقاب ; جعل إخبارهم بضد اعتقادهم مما هم فيه إنذارا .

وفرع عليه ( فاتقون ) وهو أمر بالتقوى الشاملة لجميع الشريعة .

وقد أحاطت جملة أن أنذروا إلى قوله تعالى ( فاتقون ) بالشريعة كلها ; لأن جملة أنه لا إله إلا أنا تنبيه على ما يرجع من الشريعة إلى إصلاح الاعتقاد ، وهو الأمر بكمال القوة العقلية .

وجملة ( فاتقون ) تنبيه على الاجتناب ، والامتثال اللذين هما منتهى كمال القوة العملية .

التالي السابق


الخدمات العلمية