الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون . [ ص: 399 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فهل أنتم مسلمون " قال ابن عباس : فهل أنتم مخلصون له العبادة ؟ قال أهل المعاني : هذا استفهام بمعنى الأمر .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فإن تولوا " ; أي : أعرضوا ولم يؤمنوا ، " فقل آذنتكم على سواء " في معنى الكلام قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : نابذتكم وعاديتكم وأعلمتكم ذلك ، فصرت أنا وأنتم على سواء قد استوينا في العلم بذلك ، وهذا من الكلام المختصر ، قاله ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أعلمتكم بالوحي إلي لتستووا في الإيمان به ، قاله الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وإن أدري " ; أي : وما أدري ، " أقريب أم بعيد ما توعدون " بنزول العذاب بكم . " إنه يعلم الجهر " وهو ما يقولونه للنبي صلى الله عليه وسلم : متى هذا الوعد [ يس : 48 ] ، و " ما تكتمون " إسرارهم أن العذاب لا يكون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " لعله فتنة لكم " ، في هاء " لعله " قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنها ترجع إلى ما آذنهم به ، قاله الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : إلى العذاب ، فالمعنى : لعل تأخير العذاب عنكم فتنة ، قاله ابن جرير وأبو سليمان الدمشقي . ومعنى الفتنة هاهنا : الاختبار . " ومتاع إلى حين " ; أي : تستمعون إلى انقضاء آجالكم . " قل رب " وروى حفص عن عاصم : ( قال رب ) . " احكم " قرأ أبو جعفر : ( رب احكم ) بضم الباء . وروى زيد عن يعقوب : ( ربي ) بفتح الياء ( أحكم ) بقطع الهمزة وفتح الكاف ورفع الميم . ومعنى " احكم بالحق " ; أي : بعذاب كفار قومي الذي نزوله حق ، فحكم عليهم بالقتل في يوم بدر وفيما بعده من الأيام ، والمعنى على هذا : افصل بيني وبين المشركين [ ص: 400 ] بما يظهر به الحق . ومعنى " على ما تصفون " ; أي : من كذبكم وباطلكم . وقرأ ابن عامر والمفضل عن عاصم : ( يصفون ) بالياء .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل : فهل يجوز على الله أن يحكم بغير الحق ؟

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب : أن المعنى : احكم بحكمك الحق ، كأنه استعجل النصر عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية