الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم .

                                                                                                                                                                                                                                      إن الصفا والمروة : علمان لجبلين بمكة المعظمة؛ كالصمان؛ والمقطم؛ من شعائر الله ؛ من أعلام مناسكه؛ جمع "شعيرة"؛ وهي العلامة؛ فمن حج البيت أو اعتمر ؛ الحج (في اللغة: القصد. والاعتمار: الزيارة. غلبا في الشريعة على قصد البيت؛ وزيارته؛ على الوجهين المعروفين؛ كـ "البيت"؛ و"النجم"؛ في الأعيان؛ وحيث أظهر البيت وجب تجريده عن التعلق به؛ فلا جناح عليه أن يطوف بهما ؛ أي: في أن يطوف بهما؛ أصله: "يتطوف"؛ قلبت التاء طاء؛ فأدغمت الطاء في الطاء؛ وفي إيراد صيغة التفعل إيذان بأن من حق الطائف أن يتكلف في الطواف؛ ويبذل فيه جهده؛ وهذا الطواف واجب عندنا؛ وعن مالك؛ والشافعي - رحمهما الله - أنه ركن؛ وإيراده بعدم الجناح؛ المشعر بالتخيير؛ لما أنه كان في عهد الجاهلية على الصفا صنم؛ يقال له: إساف؛ وعلى المروة آخر؛ اسمه: نائلة؛ وكانوا إذا سعوا بينهما مسحوا بهما؛ فلما جاء الإسلام؛ وكسر الأصنام؛ تحرج المسلمون أن يطوفوا بينهما لذلك؛ فنزلت. وقيل: هو تطوع؛ ويعضده قراءة ابن مسعود: "فلا جناح عليه ألا يطوف بهما"؛ ومن تطوع خيرا ؛ أي: فعل طاعة؛ فرضا كان أو نفلا؛ أو زاد على ما فرض عليه من حج؛ أو عمرة؛ أو طواف؛ و"خيرا" حينئذ نصب على أنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: تطوعا خيرا؛ أو على حذف الجار؛ وإيصال الفعل إليه؛ أو على تضمين معنى "فعل"؛ وقرئ: "يطوع"؛ وأصله: "يتطوع"؛ مثل "يطوف"؛ وقرئ: "ومن يتطوع بخير"؛ فإن الله شاكر ؛ أي: مجاز على الطاعة؛ عبر عن ذلك بالشكر؛ مبالغة في الإحسان إلى العباد؛ عليم : مبالغ في العلم بالأشياء؛ فيعلم مقادير أعمالهم؛ وكيفياتها؛ فلا ينقص من أجورهم شيئا؛ وهو علة لجواب الشرط؛ قائم مقامه؛ كأنه قيل: ومن تطوع خيرا جازاه الله (تعالى)؛ وأثابه؛ فإن الله شاكر عليم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية