الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم

                                                                                                                                                                                                [ ص: 273 ] الإفك : أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء ، وقيل : هو البهتان لا تشعر به حتى يفجأك ، وأصله : الأفك ، وهو القلب ؛ لأنه قول مأفوك عن وجهه ، والمراد : ما أفك به على عائشة -رضي الله عنها- والعصبة : الجماعة من العشرة إلى الأربعين ، وكذلك العصابة ، واعصوصبوا : اجتمعوا ، وهم عبد الله بن أبي رأس النفاق ، وزيد بن رفاعة ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ، ومن ساعدهم ، وقرئ : "كبره " : بالضم والكسر ، وهو عظمه ، والذي تولاه عبد الله ؛ لإمعانه في عداوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانتهازه الفرص ، وطلبه سبيلا إلى الغميزة .

                                                                                                                                                                                                أي : يصيب كل خائض في حديث الإفك من تلك العصبة نصيبه من الإثم على مقدار خوضه ، والعذاب العظيم لعبد الله ؛ لأن معظم الشر كان منه ، يحكى أن صفوان -رضي الله عنه- مر بهودجها عليه وهو في ملأ من قومه فقال : من هذه ؟ فقالوا : عائشة -رضي الله عنها- فقال : والله ، ما نجت منه ولا نجا منها ، وقال : امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها ، والخطاب في قوله : هو خير لكم : لمن ساءه ذلك من المؤمنين ، وخاصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر ، وعائشة ، وصفوان بن المعطل -رضي الله عنهم- ومعنى كونه خيرا لهم : أنهم اكتسبوا فيه الثواب العظيم ؛ لأنه كان بلاء مبينا ومحنة ظاهرة ، وأنه نزلت فيه ثماني عشرة آية ، كل واحدة منها مستقلة بما هو تعظيم لشأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتسلية له ، وتنزيه لأم المؤمنين -رضوان الله عليها- وتطهير لأهل البيت ، وتهويل لمن تكلم في ذلك أو سمع به فلم تمجه أذناه ، وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة ، وفوائد دينية ، وأحكام وآداب لا تخفى على متأمليها .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية