الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون عطف على الليل والنهار ، أي وسخر لكم ما ذرأ لكم في الأرض ، وهو دليل على دقيق الصنع والحكمة لقوله تعالى مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ، وأومأ إلى ما فيه من منة بقوله ( لكم ) .

والذرء : الخلق بالتناسل والتولد بالحمل والتفريخ ، فليس الإنبات ذرءا ، وهو شامل للأنعام والكراع ، وقد مضت المنة به ولغيرها مثل كلاب الصيد والحراسة ، وجوارح الصيد ، والطيور ، والوحوش المأكولة ، ومن الشجر والنبات .

وزيد هنا وصف اختلاف ألوانه ، وهو زيادة للتعجيب ، ولا دخل له في الامتنان ، فهو كقوله تعالى يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل في سورة الرعد ، وقوله تعالى ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه في سورة فاطر ، وبذلك صار هذا آية مستقلة ; فلذلك ذيله بجملة إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ، ولكون محل الاستدلال هو اختلاف الألوان مع اتحاد أصل الذرء أفردت الآية في قوله تعالى إن في ذلك لآية .

[ ص: 118 ] والألوان : جمع لون ، وهو كيفية لسطوح الأجسام مدركة بالبصر تنشأ من امتزاج بعض العناصر بالسطح بأصل الخلقة أو بصبغها بعنصر ذي لون معروف ، وتنشأ من اختلاط عنصرين فأكثر ألوان غير متناهية ، وقد تقدم عند قوله تعالى قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها في سورة البقرة .

ونيط الاستدلال باختلاف الألوان بوصف التذكر ; لأنه استدلال يحصل بمجرد تذكر الألوان المختلفة إذ هي مشهورة .

وإقحام لفظ ( قوم ) وكون الجملة تذييلا تقدم آنفا .

وأبدى الفخر في ( درة التنزيل ) وجها لاختلاف الأوصاف في قوله تعالى لقوم يتفكرون ، وقوله لقوم يعقلون ، وقوله لقوم يذكرون : بأن ذلك لمراعاة اختلاف شدة الحاجة إلى قوة التأمل بدلالة المخلوقات الناجمة عن الأرض يحتاج إلى التفكير ، وهو إعمال النظر المؤدي إلى العلم ، ودلالة ما ذرأه في الأرض من الحيوان محتاجة إلى مزيد تأمل في التفكير للاستدلال على اختلاف أحوالها وتناسلها وفوائدها ، فكانت بحاجة إلى التذكير ، وهو التفكر مع تذكر أجناسها واختلاف خصائصها ، وأما دلالة تسخير الليل والنهار والعوالم العلوية ; فلأنها أدق وأحوج إلى التعمق ، عبر عن المستدلين عليها بأنهم يعقلون ، والتعقل هو أعلى أحوال الاستدلال اهـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية