الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

قالوا تلك إذا كرة خاسرة فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة هل أتاك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى

ذكر الله تعالى عنهم قولهم: تلك إذا كرة خاسرة وذلك أنهم لتكذيبهم بالبعث وإنكارهم قالوا: لو كان هذا حقا، لكانت كرتنا ورجعتنا خاسرة; وذلك لهم إذ هي النار، وقال الحسن: "خاسرة" معناه: كاذبة، أي ليست بكافية، وروي أن بعض صناديد قريش قال ذلك.

ثم أخبر الله تعالى عن حال القيامة فقال: فإنما هي زجرة واحدة ، أي: نفخة في الصور، فإذا الناس قد نشروا وصاروا أحياء على وجه الأرض، وفي قراءة عبد الله :

[ ص: 530 ] "فإنما هي رقة واحدة"، و"الساهرة" وجه الأرض، ومنه قول أمية بن أبي الصلت :


وفيها لحم ساهرة وبحر وما فاهوا به لهم مقيم



وقال وهب بن منبه : الساهرة جبل بالشام يمده الله تعالى لحشر الناس يوم القيامة كيف شاء، وقال أبو العالية وسفيان : الساهرة أرض مكة، وقال الزهري : "الساهرة" الأرض كلها.

ثم وقف تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على جهة جمع النفس لتلقي الحديث، فقال تعالى: هل أتاك حديث موسى الآية. و"الوادي المقدس" واد بالشام، قال منذر بن سعيد : هو بين المدينة ومصر، وقرأ الحسن بن أبي الحسن، والأعمش ، وابن إسحاق ، وقعنب"طوى" بكسر الطاء منونة، ورويت عن عاصم ، وقرأ الجمهور: "طوى" بضم الطاء، وأجرى بعض القراء "طوى" وترك إجراءه ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع ، والحسن ، وجماعة، وقد تقدم شرح اللفظة في سورة طه.

وقوله تعالى: "اذهب" تفسير النداء الذي ناداه به، ويحتمل أن يكون المعنى: قال له اذهب، وفي هذه الألفاظ استدعاء حسن، وذلك أنه أمر أن يقول له: هل لك إلى أن تزكى ، وهذا قول جواب كل عاقل عنده: نعم أريد أن أتزكى، والتزكي هو التطهر من النقائص والتلبس بالفضائل، وفسر بعضهم "تزكى" بـ "تسلم"، وفسرها بعضهم بقول "لا إله إلا الله"، وهذا تخصيص، وما ذكرناه يعم كل هذا، وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو -بخلاف عنه-: "تزكى" بشد الزاي، وقرأ الباقون: "تزكى" بتخفيف الزاي.

ثم أمر "الله تعالى" موسى عليه السلام بأن يفسر له التزكي الذي دعاه إليه بقوله: [ ص: 531 ] "وأهديك إلى ربك فتخشى"، والعلم تابع للهدى، والخشية تابعة للعلم، إنما يخشى الله من عباده العلماء .

"والآية الكبرى" العصا واليد، قاله مجاهد وغيره، وهما قصب موسى عليه السلام للتحدي، فوقعت المعارضة في الواحدة وانغلب فيها فريق الباطل. وقال بعض المفسرين: "أدبر يسعى" حقيقة، قام من موضعه موليا فارا بنفسه من مجالسة موسى عليه السلام، وقال الجمهور: "أدبر" كناية عن إعراضه عن الإيمان، و"يسعى" معناه: يجتهد على أمر موسى عليه السلام والرد في وجه شرعه.

وقوله تعالى: "فحشر" معناه: جمع أهل مملكته، ثم ناداهم بقوله: أنا ربكم الأعلى وروي عن ابن عباس أنه قال: المعنى: فنادى فحشر، وقوله: أنا ربكم الأعلى نهاية في المخرقة، ونحوها باق في ملوك مصر وأتباعهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية