[ ص: 3989 ] nindex.php?page=treesubj&link=31907من نبأ موسى عليه السلام
قال تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=28752_32016_32022_32417_32438_34274_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=6وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=7وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=8وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب [ ص: 3990 ] فى الآية السابقة ذكر سبحانه وتعالى أنه لا يرسل رسولا إلا بلغة قومه ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ويبين لهم فيضل من يضل، ويهتدي من يهتدي، وفي هذه الآية وما يليها من آيات يبين الله أخبار نبي من أولي العزم بعث في قومه، وغيرهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ويذكرهم بأيام الله تعالى من وقائع قد نزلت بمن سبقهم من الأمم، وما نزل بهم هم من نعم، وهو
موسى عليه السلام، وقد أخرج الله على يدي
موسى بني إسرائيل قومه من
فرعون وظهرت آياته فيهم، ومع ذلك ضلوا من بعده، وفي حياته.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور أكد الله تعالى إرسال
موسى إلى قومه بـ (اللام) وبـ (قد)، وقومه؛ أهم بنو إسرائيل وحدهم؟ أم قوم
موسى كل من أرسل إليهم؟ ظاهر القول بادئ الأمر أنهم بنو إسرائيل؛ لأنهم قومه وجنسه أو قبيله، ولكن
موسى لم يرسل لبني إسرائيل وحدهم، إنما أرسل إلى سكان
مصر وفيهم
فرعون، وقد قال تعالى في رسالة
موسى وأخيه
هارون: nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=43اذهبا إلى فرعون إنه طغى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=45قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى
وهذه تدل على أنه بعث
لمصر كلها، لا لبني إسرائيل وحدهم، وإن كانت فضائل الرسالة عادت على بني إسرائيل بالنعمة والإنقاذ ابتداء، والهداية للجميع كانت المقصد في نهاية الرسالة وغايتها وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5وذكرهم بأيام الله
وردت أخبار من السلف بأن أيام الله الوقائع التي انتصر الله فيها لكلمة الحق والإيمان، كما نزل بقوم
نوح، وقوم
هود، وقوم
صالح، وقوم
لوط، وآل
مدين؛ وذلك لأن كلمة (أيام) تطلق في التاريخ العربي على الحروب التي كانت لها دوي في
العرب كحرب " ذي قار " الذي انتصر فيها
العرب على
فارس، وكحرب " الفجار "، وكحرب " عبس وذبيان "، وكحرب " البسوس "، إلى غير ذلك من الأيام الشداد.
[ ص: 3991 ] وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - أن أيام الله هي النعم التي أنعم بها على بني إسرائيل، والأيام التي أنزل بها اعتبارا لأهل
مصر ليسلموا، فقد أنزل عليهم تسع آيات هي: الطوفان والجراد والقمل، والضفادع والدم والعصا، ويده إذ تخرج بيضاء من غير سوء، والسنون ونقص من الثمرات.
ويمثل عبارات بعض المفسرين إلى أن الأيام التي طلب الله تعالى من
موسى أن يذكرهم بها تعم أيام المحنة التي نزلت ببني إسرائيل وأيام النعمة، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري في ذلك: وعظهم الله تعالى بما سلف من الأيام الماضية لهم، أي بما كانوا في أيام الله تعالى من النعمة والمحنة، وقد كانوا عبيدا مستذلين.
وهكذا نرى أن
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير يخص الأيام بأيام الله تعالى في بني إسرائيل محنة ونعمة.
والحق أن أيام الله تعالى تعم أيام الشدائد، وأيام النعم، وتعم بني إسرائيل ومن سبقهم من الأمم كقوم
نوح إلى آخره، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى تلك الأيام ببعض التفصيل بذكر النعم والنقم معا.
وهذا بحث نحوي أشار إليه المفسرون اللغويون، وهو يتعلق بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور فيقول: أرسل الله
موسى مؤيدا بالآيات التسع التي أشرنا إليها قائلا له:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور أي من الضلال الذي هو كالظلمات المتكاثفة إلى الحق الذي كالنور الواضح البين، ويصح أن نقول: إن (أن) تفسيرية، أي: إن ما بعدها تفسير لمعنى الرسالة، وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن (أن) مصدرية ولا مانع من دخولها على الأمر، لأنه فعل، ويكون المعنى: أرسلنا
موسى إلى قومه بإخراجهم من الظلمات إلى النور.
وقد بينا أن قومه تعم كل من بعث إليهم، وهم بنو إسرائيل، وأهل
مصر، وقد كانت دعوته - عليه السلام - فيهم.
[ ص: 3992 ] وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5ذلك الإشارة إلى إخراجهم من الظلمات إلى النور والآيات الدالة على رسالته، والأيام باشتمالها على النعم التي جاءت إليهم وأفاضها عليهم، والشدائد التي نزلت بغيرهم،
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5لآيات أي لأمارات هادية مرشدة
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5لكل صبار شكور وجاء ذكر الصبر بصيغة المبالغة، وذكر الشكر بصيغة المبالغة أيضا، للدلالة على أن من يعرف هذه الآيات ويدركها هو الذي صار الصبر بتمرسه له صفة كالجبلة فيه، وصار شكر النعمة والقيام بحقها كذلك، وقالوا: إن المراد الصبر على البلاء، والشكر على النعماء، وإلى أن الصبر كما يكون في النقمة يكون أيضا في النعمة، والصبر بالنعمة ألا تدفعه إلى الغرور، والأشر والبطر، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35ونبلوكم بالشر والخير فتنة والنقمة أيضا تحتاج إلى الشكر، إذ تذكر بما أنعم وأكرم في حال البلاء والاختبار، فيكون الشكر على ما أسلف على رجاء الإنقاذ مما أوقع، ثم يكون الشكر على الماضي والحاضر.
[ ص: 3989 ] nindex.php?page=treesubj&link=31907مِنْ نَبَأِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=28752_32016_32022_32417_32438_34274_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=6وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=7وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=8وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=9أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ [ ص: 3990 ] فَى الْآيَةِ السَّابِقَةِ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ رَسُولًا إِلَّا بِلُغَةِ قَوْمِهِ لِيُخْرِجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيَضِلَّ مَنْ يَضِلُّ، وَيَهْتَدِيَ مَنْ يَهْتَدِي، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا يَلِيهَا مِنْ آيَاتٍ يُبَيِّنُ اللَّهُ أَخْبَارَ نَبِيٍّ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ بُعِثَ فِي قَوْمِهِ، وَغَيْرِهِمْ لِيُخْرِجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَيُذَكِّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وَقَائِعَ قَدْ نَزَلَتْ بِمَنْ سَبَقَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَمَا نَزَلَ بِهِمْ هُمْ مِنْ نِعَمٍ، وَهُوَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ أَخْرَجَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْ
مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمَهُ مِنْ
فِرْعَوْنَ وَظَهَرَتْ آيَاتُهُ فِيهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ ضَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ، وَفِي حَيَاتِهِ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى إِرْسَالَ
مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ بِـ (اللَّامِ) وَبِـ (قَدْ)، وَقَوْمُهُ؛ أَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَحْدَهُمْ؟ أَمْ قَوْمُ
مُوسَى كُلُّ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ؟ ظَاهِرُ الْقَوْلِ بَادِئَ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمُهُ وَجِنْسُهُ أَوْ قَبِيلُهُ، وَلَكِنَّ
مُوسَى لَمْ يُرْسَلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَحْدَهُمْ، إِنَّمَا أَرْسَلَ إِلَى سُكَّانِ
مِصْرَ وَفِيهِمْ
فِرْعَوْنُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي رِسَالَةِ
مُوسَى وَأَخِيهِ
هَارُونَ: nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=43اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=44فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=45قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى
وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بُعِثَ
لِمِصْرَ كُلِّهَا، لَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَحْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ فَضَائِلُ الرِّسَالَةِ عَادَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالنِّعْمَةِ وَالْإِنْقَاذِ ابْتِدَاءً، وَالْهِدَايَةُ لِلْجَمِيعِ كَانَتِ الْمَقْصِدَ فِي نِهَايَةِ الرِّسَالَةِ وَغَايَتِهَا وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ
وَرَدَتْ أَخْبَارٌ مِنَ السَّلَفِ بِأَنَّ أَيَّامَ اللَّهِ الْوَقَائِعُ الَّتِي انْتَصَرَ اللَّهُ فِيهَا لِكَلِمَةِ الْحَقِّ وَالْإِيمَانِ، كَمَا نَزَلَ بِقَوْمِ
نُوحٍ، وَقَوْمِ
هُودٍ، وَقَوْمِ
صَالِحٍ، وَقَوْمِ
لُوطٍ، وَآلِ
مَدْيَنَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ كَلِمَةَ (أَيَّامٌ) تُطْلَقُ فِي التَّارِيخِ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْحُرُوبِ الَّتِي كَانَتْ لَهَا دَوِيٌّ فِي
الْعَرَبِ كَحَرْبِ " ذِي قَارٍ " الَّذِي انْتَصَرَ فِيهَا
الْعَرَبُ عَلَى
فَارِسَ، وَكَحَرْبِ " الْفِجَارِ "، وَكَحَرْبِ " عَبْسٍ وَذُبْيَانَ "، وَكَحَرْبِ " الْبَسُوسِ "، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَيَّامِ الشِّدَادِ.
[ ص: 3991 ] وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ أَيَّامَ اللَّهِ هِيَ النِّعَمُ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْأَيَّامُ الَّتِي أَنْزَلَ بِهَا اعْتِبَارًا لِأَهْلِ
مِصْرَ لِيُسْلِمُوا، فَقَدْ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ تِسْعَ آيَاتٍ هِيَ: الطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ وَالْعَصَا، وَيَدُهُ إِذْ تَخْرُجُ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، وَالسُّنُونَ وَنَقْصٌ مِنَ الثَّمَرَاتِ.
وَيُمَثِّلُ عِبَارَاتُ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْأَيَّامَ الَّتِي طَلَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ
مُوسَى أَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِهَا تَعُمُّ أَيَّامَ الْمِحْنَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَيَّامَ النِّعْمَةِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ فِي ذَلِكَ: وَعَظَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا سَلَفَ مِنَ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ لَهُمْ، أَيْ بِمَا كَانُوا فِي أَيَّامِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ النِّعْمَةِ وَالْمِحْنَةِ، وَقَدْ كَانُوا عَبِيدًا مُسْتَذَلِّينَ.
وَهَكَذَا نَرَى أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنَ جَرِيرٍ يَخُصُّ الْأَيَّامَ بِأَيَّامِ اللَّهِ تَعَالَى فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِحْنَةً وَنِعْمَةً.
وَالْحَقُّ أَنَّ أَيَّامَ اللَّهِ تَعَالَى تَعُمُّ أَيَّامَ الشَّدَائِدِ، وَأَيَّامَ النِّعَمِ، وَتَعُمُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَنْ سَبَقَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ كَقَوْمِ
نُوحٍ إِلَى آخِرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تِلْكَ الْأَيَّامَ بِبَعْضِ التَّفْصِيلِ بِذِكْرِ النِّعَمِ وَالنِّقَمِ مَعًا.
وَهَذَا بَحْثٌ نَحْوِيٌّ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ اللُّغَوِيُّونَ، وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ فَيَقُولُ: أَرْسَلَ اللَّهُ
مُوسَى مُؤَيَّدًا بِالْآيَاتِ التِّسْعِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا قَائِلًا لَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أَيْ مِنَ الضَّلَالِ الَّذِي هُوَ كَالظُّلُمَاتِ الْمُتَكَاثِفَةِ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي كَالنُّورِ الْوَاضِحِ الْبَيِّنِ، وَيَصِحُّ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ (أَنْ) تَفْسِيرِيَّةٌ، أَيْ: إِنَّ مَا بَعْدَهَا تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الرِّسَالَةِ، وَجَوَّزَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ (أَنْ) مَصْدَرِيَّةٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْأَمْرِ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَرْسَلَنَا
مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَوْمَهُ تَعُمُّ كُلَّ مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَأَهْلُ
مِصْرَ، وَقَدْ كَانَتْ دَعْوَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِمْ.
[ ص: 3992 ] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إِلَى إِخْرَاجِهِمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى رِسَالَتِهِ، وَالْأَيَّامُ بِاشْتِمَالِهَا عَلَى النِّعَمِ الَّتِي جَاءَتْ إِلَيْهِمْ وَأَفَاضَهَا عَلَيْهِمْ، وَالشَّدَائِدِ الَّتِي نَزَلَتْ بِغَيْرِهِمْ،
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5لآيَاتٍ أَيْ لَأَمَارَاتٍ هَادِيَةً مُرْشِدَةً
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ وَجَاءَ ذِكْرُ الصَّبْرِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَذِكْرُ الشُّكْرِ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْضًا، لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ يَعْرِفُ هَذِهِ الْآيَاتِ وَيُدْرِكُهَا هُوَ الَّذِي صَارَ الصَّبْرُ بِتَمَرُّسِهِ لَهُ صِفَةً كَالْجِبِلَّةِ فِيهِ، وَصَارَ شُكْرُ النِّعْمَةِ وَالْقِيَامُ بِحَقِّهَا كَذَلِكَ، وَقَالُوا: إِنَّ الْمُرَادَ الصَّبْرُ عَلَى الْبَلَاءِ، وَالشُّكْرُ عَلَى النَّعْمَاءِ، وَإِلَى أَنَّ الصَّبْرَ كَمَا يَكُونُ فِي النِّقْمَةِ يَكُونُ أَيْضًا فِي النِّعْمَةِ، وَالصَّبْرُ بِالنِّعْمَةِ أَلَّا تَدْفَعَهُ إِلَى الْغُرُورِ، وَالْأَشَرِ وَالْبَطَرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَالنِّقْمَةُ أَيْضًا تَحْتَاجُ إِلَى الشُّكْرِ، إِذْ تُذَكِّرُ بِمَا أَنْعَمَ وَأَكْرَمَ فِي حَالِ الْبَلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ، فَيَكُونُ الشُّكْرُ عَلَى مَا أَسْلَفَ عَلَى رَجَاءِ الْإِنْقَاذِ مِمَّا أَوْقَعَ، ثُمَّ يَكُونُ الشُّكْرُ عَلَى الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ.