الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب استحباب تخليل اللحية .

                                                                                                                                            178 - ( عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يخلل لحيته } رواه ابن ماجه والترمذي وصححه ) . [ ص: 189 ]

                                                                                                                                            179 - ( وعن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال : هكذا أمرني ربي عز وجل } . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            أما حديث عثمان فأخرجه أيضا ابن خزيمة والحاكم والدارقطني وابن حبان ، وفيه عامر بن شقيق ضعفه يحيى بن معين ، وقال البخاري : حديثه حسن ، وقال الحاكم : لا نعلم فيه طعنا بوجه من الوجوه ، وأورد له شواهد ، وأما حديث أنس المذكور في الباب ففي إسناده الوليد بن زوران وهو مجهول الحال .

                                                                                                                                            قال الحافظ : وله طرق أخرى ضعيف عن أنس ، منها ما رويناه في فوائد أبي جعفر بن البحيري ، ومستدرك الحاكم ورجاله ثقات ، لكنه معلول فإنما رواه موسى بن أبي عائشة عن زيد بن أبي أنيسة عن يزيد الرقاشي عن أنس ، أخرجه ابن عدي ، وصححه ابن القطان من طريق أخرى ، وله طريق أخرى ذكرها الذهلي في الزهريات وهو معلول ، وصححه الحاكم قبل ابن القطان ، قال الحافظ : ولم تقدح هذه العلة عندهما فيه ، وفي الباب عن علي وعائشة وأم سلمة وأبي أمامة وعمار وابن عمر وجابر وجرير وابن أبي أوفى وابن عباس وعبد الله بن عكبرة وأبي الدرداء . أما حديث علي فرواه الطبراني فيما انتقاه عليه ابن مردويه ، وإسناده ضعيف ومنقطع ، قاله الحافظ .

                                                                                                                                            وأما حديث عائشة فرواه أحمد قال الحافظ : وإسناده حسن ، وأما حديث أم سلمة فرواه الطبراني والعقيلي والبيهقي بلفظ : { كان يخلل لحيته ويدلك عارضيه } وفي لفظ { : كان إذا توضأ خلل لحيته } وفي إسناده خالد بن إلياس وهو منكر الحديث ، وأما حديث أبي أمامة فرواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه ، والطبراني في الكبير ، قال الحافظ : وإسناده ضعيف . وأما حديث عمار فرواه الترمذي وابن ماجه وهو معلول . وأما حديث ابن عمر فرواه الطبراني في الأوسط وإسناده ضعيف .

                                                                                                                                            وأخرجه عنه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي وصححه ابن السكن بلفظ { : كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك ثم يشبك لحيته بأصابعه من تحتها } وفي إسناده عبد الواحد وهو مختلف فيه ، واختلف فيه على الأوزاعي ، وأما حديث جابر فرواه ابن عدي وفيه أصرم بن غياث وهو متروك الحديث ، قاله النسائي ، وفي إسناده انقطاع ، قاله ابن حجر ، وأما حديث جرير فرواه ابن عدي وفيه ياسين الزيات وهو متروك .

                                                                                                                                            وأما حديث ابن أبي أوفى فرواه أبو عبيد في كتاب الطهور ، وفي إسناده أبو الورقاء وهو ضعيف وهو في الطبراني ، وأما حديث ابن عباس فرواه العقيلي ، قال ابن حزم : ولا يتابع عليه . وأما حديث عبد الله بن عكبرة فرواه الطبراني في الصغير بلفظ : ( التخليل سنة ) وفيه عبد الكريم أبو أمية وهو ضعيف . [ ص: 190 ]

                                                                                                                                            وأما حديث أبي الدرداء فرواه الطبراني وابن عدي بلفظ { : توضأ فخلل لحيته مرتين وقال : هكذا أمرني ربي } وفي إسناده تمام بن نجيح وهو لين الحديث ، قال عبد الله بن أحمد عن أبيه : ليس في تخليل اللحية شيء صحيح ، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية شيء ، ولكنه يعارض هذا تصحيح الترمذي والحاكم وابن القطان لبعض أحاديث الباب ، وكذلك غيرهم .

                                                                                                                                            والحديثان يدلان على مشروعية تخليل اللحية ، وقد اختلف الناس في ذلك فذهب إلى وجوب ذلك في الوضوء والغسل العترة والحسن بن صالح وأبو ثور والظاهرية كذا في البحر ، واستدلوا بما وقع في أحاديث الباب بلفظ : ( هكذا أمرني ربي ) وذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي إلى أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء ، قال مالك وطائفة من أهل المدينة : ولا في غسل الجنابة ، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وأكثر أهل العلم : إن تخليل اللحية واجب في غسل الجنابة ولا يجب في الوضوء ، هكذا في شرح الترمذي لابن سيد الناس .

                                                                                                                                            قال : وأظنهم فرقوا بين ذلك ، والله أعلم . لقوله صلى الله عليه وسلم : { تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وأنقوا البشر } . واستدلوا لعدم الوجوب في الوضوء بحديث ابن عباس المذكور في الباب الأول . فقال : وقد روي عن ابن عباس وابن عمر وأنس وعلي وسعيد بن جبير وأبي قلابة ومجاهد وابن سيرين والضحاك وإبراهيم النخعي أنهم كانوا يخللون لحاهم ، وممن روي عنه أنه كان لا يخلل إبراهيم النخعي والحسن وابن الحنفية وأبو العالية وأبو جعفر الهاشمي والشعبي ومجاهد والقاسم وابن أبي ليلى ، ذكر ذلك عنهم ابن أبي شيبة بأسانيده إليهم ، والإنصاف أن أحاديث الباب بعد تسليم انتهاضها للاحتجاج وصلاحيتها للاستدلال لا تدل على الوجوب لأنها أفعال ، وما ورد في بعض الروايات من قوله صلى الله عليه وسلم ( هكذا أمرني ربي ) لا يفيد الوجوب على الأمة لظهوره في الاختصاص به ، وهو يتخرج على الخلاف المشهور في الأصول هل يعم الأمة ما كان ظاهر الاختصاص به أم لا ؟ والفرائض لا تثبت إلا بيقين ، والحكم على ما لم يفرضه الله بالفرضية كالحكم على ما فرضه بعدهما ، لا شك في ذلك لأن كل واحد منهما من التقول على الله بما لم يقل ، ولا شك أن الغرفة الواحدة لا تكفي كث اللحية لغسل وجهه وتخليل لحيته ، ودفع ذلك كما قال بعضهم بالوجدان مكابرة منه ، نعم . الاحتياط والأخذ بالأوثق لا شك في أولويته لكن بدون مجاراة على الحكم بالوجوب .

                                                                                                                                            قوله : ( الحنك ) هو باطن أعلى الفم والأسفل من طرف مقدم اللحيين .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية