الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1583 [ ص: 303 ] حديث رابع وثلاثون ليحيى بن سعيد

مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان : أن عبدا سرق وديا من حائط رجل ، فغرسه في حائط سيده ، فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده ، فاستعدى على العبد مروان بن الحكم ، فسجن مروان العبد ، وأراد قطع يده ، فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج ، فسأله عن ذلك ، فأخبره أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا قطع في ثمر ، ولا في كثر ، والكثر الجمار . قال الرجل : فإن مروان بن الحكم أخذ غلاما لي وهو يريد قطعه ، فأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فمشى معه رافع إلى مروان بن الحكم ، فقال : أخذت غلاما لهذا ، فقال : نعم قال : فما أنت صانع به ، قال : أردت قطع يده ، فقال له رافع : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا قطع في ثمر ، ولا في كثر ، فأمر مروان بالعبد فأرسل .

التالي السابق


قال أبو عمر : هذا حديث منقطع ; لأن محمد بن يحيى لم يسمعه من رافع بن خديج ، وقد رواه ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان ، عن رافع بن خديج ، فإن صح [ ص: 304 ] هذا ، فهو متصل مسند صحيح ، ولكن قد خولف ابن عيينة في ذلك ، ولم يتابع عليه إلا ما رواه حماد بن دليل المدائني ، عن شعبة ، فإنه رواه عن شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه ، عن رافع بن خديج .

وأما غير حماد بن دليل ، فإنما رواه عن شعبة ، عن يحيى ، عن محمد ، عن رافع - كما رواه مالك ، وكذلك رواه الثوري ، وحماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، وأبو عوانة ، ويزيد بن هارون ، وأبو خالد الأحمر ، وعبد الوارث بن سعيد ، وأبو معاوية - كلهم عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن رافع بن خديج .

ورواه ابن جريج ، وأبو أسامة ، والليث بن سعد على اختلاف عنه ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن رجل من قومه ، عن رافع بن خديج .

ورواه بشر بن المفضل ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن رجل من قومه ، عن عمه ، عن رافع بن خديج .

ورواه الليث ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمة له : أن غلاما سرق وديا ، وساق الحديث .

ورواه الدراوردي ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن أبي ميمون ، عن رافع بن خديج ، فأما رواية ابن عيينة ، فحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن [ ص: 305 ] أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان : أن عبدا سرق وديا ، فجاء به ، فغرسه في حائط أهله ، فأتي به مروان بن الحكم ، فأراد أن يقطعه ، فشهد رافع بن خديج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا قطع في ثمر ولا كثر ، فأرسله مروان .

قال : الحميدي قال لنا سفيان : أخبرنا عبد الكريم قال : اسم الذي سرق الودي فيل .

قال الحميدي : فقيل لسفيان : ليس يقول أحد في هذا الحديث عن عمه ، فقال : هكذا حفظي قال الحميدي : فقال لي أبو زيد المدائني : حماد بن دليل أثبت عليه ، فإن شعبة كذا حدثنا عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه .

وقال أحمد بن زهير : سمعت يحيى بن معين يقول : حماد بن دليل ليس به بأس ، كان على المدائن قاضيا ، ولا أدري من أين أصله .

وأما حديث شعبة من غير رواية حماد بن دليل ، فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان قال : سرق [ ص: 306 ] غلام من الأنصار نخلا صغارا ، فأتي به مروان ، فأمر به أن يقطع ، فقال رافع بن خديج سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يقطع السارق في ثمر ، ولا كثر .

فقلت ليحيى : ما الكثر ؟ قال : الجمار ، فضربه وحبسه .

وأما رواية الثوري ، فحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن رافع بن خديج قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا قطع في ثمر ، ولا كثر .

وأما رواية حماد بن زيد ، فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا حماد ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان : أن غلاما سرق وديا من أرض جار له ، فغرسه في أرضه ، فرفع إلى مروان فأمر بقطعه ، فأتى مولاه رافع بن خديج ، فذكر ذلك له ، فقال : لا قطع عليه ، فقال له : تعال معي إلى مروان ، فجاء به ، فحدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا قطع في ثمر ولا كثر فدرأ عنه القطع .

وأما رواية أبي أسامة ، فأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا حمزة بن محمد قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا الحسين بن منصور حدثنا أبو أسامة حدثنا يحيى بن سعيد ، عن محمد بن [ ص: 307 ] يحيى بن حبان ، عن رجل من قومه ، عن رافع بن خديج قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا قطع في ثمر ، ولا كثر .

وأما رواية بشر بن المفضل ، فأخبرنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا عمرو بن علي قال : حدثنا بشر بن المفضل حدثنا يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان أن رجلا من قومه حدثه ، عن عمة له أن رافع بن خديج قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا قطع في ثمر ، ولا كثر .

ورواه يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان أنه أخبره : أن غلاما لعمه يقال له : فيل أسود ، سرق وديا لرجل ، فأتي به مروان بن الحكم ، فأراد أن يقطعه ، فقال له رافع : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا قطع في ثمر ، ولا كثر ، فأرسله مروان ، فباعه أو نفاه .

وأخبرنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا محمد بن فطيس قال أخبرنا عمران بن موسى قال : حدثنا مسدد بن مسرهد قال : حدثنا أبو عوانة قال : كنت عند أبي حنيفة ، فأتاه رسول صاحب الشرطة ، فقال : أرسلني إليك فلان يعني : صاحب الشرطة ، أتي برجل سرق وديا من أرض قوم ، فقال : إن كان قيمة الودي عشرة [ ص: 308 ] دراهم فاقطعه ، فقلت له : يا أبا حنيفة حدثنا يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن رافع بن خديج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا قطع في ثمر ، ولا كثر قال : ما تقول ؟ قلت : نعم أرسل في إثر الرسول ، فإني أخاف أن يقطع الرجل ، فقال : قد مضى الحكم ، فقطع الرجل .

قال أبو عمر : هذا لا يصح عن أبي حنيفة ; لأن مذهبه المشهور عنه : أنه لا قطع في ثمر ، ولا كثر ، ولا في أصل شجرة يقلع ، ولا في كل ما يبقى من الطعام ، ويخشى فساده ; لأنه عندهم في معنى الثمر المعلق .

واختلف الفقهاء في هذا الباب ، فقال مالك : لا قطع في كثر ، والكثر : الجمار ، ولا قطع في النخلة الصغيرة ، ومن قلع نخلة أو قطعها ، فليس فيها قطع قال : ولا قطع في ثمر الأشجار ، ولا في الزرع ، ولا في الماشية ، فإذا آوى الجرين الزرع أو الثمر ، وآوى المراح الغنم ، فعلى من سرق من ذلك قيمة ربع دينار القطع .

قال ابن المواز : من سرق نخلة أو ثمرة في دار رجل قطع ، بخلاف ثمر شجر الحائط والجنان .

[ ص: 309 ] قال أبو عمر : لم يختلف قول مالك وأصحابه أن القطع واجب على من سرق رطبا أو فاكهة رطبة إذا بلغت قيمتها ثلاثة دراهم ، وسرقت من حرز ، وهو قول الشافعي لحديث عثمان : أنه قطع سارقا سرق أترجة قومت بثلاثة دراهم ، قال مالك : وهي الأترجة التي يأكلها الناس .

قال أبو عمر : وهذا يدل على أن القطع واجب في الرطب صلح أن ييبس أو لم يصلح ; لأن الأترج لا ييبس .

وقال أشهب : يقطع سارق النخلة المطروحة في الجنان المحروسة .

وقال ابن القاسم : لا يقطع .

وقال الثوري : إذا كانت الثمرة في رءوس النخل أو في شجرها ، فليس فيه قطع ، ولكن يعزر .

وقال عطاء : يعزر ويغرم ، ولا قطع عليه إلا فيما أحرز الجرين .

وقال الشافعي : الحوائط ليست بحرز للنخل ، ولا للثمر ; لأن أكثرها مباح يدخل من جوانب الحائط حيث شاء ، فمن سرق شيئا من شجرة أو ثمر معلق لم يقطع ، فإذا آواه الجرين قطع .

قال الشافعي : وذلك الذي تعرفه العامة عندنا أن الجرين حرز للثمر ، والحائط ليس بحرز .

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه في الثمر يسرق من رءوس النخل والشجر أو السنبل من قبل أن يحصد ، فلا قطع في شيء من ذلك ، [ ص: 310 ] وسواء كان الحائط قد استوثق منه ، وحظر أو لم يكن ; لأنه بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا قطع في ثمر ، ولا كثر قالوا : وكذلك النخلة تسرق بأصلها ، والشجرة تسرق بأصلها ، لا قطع في شيء من ذلك .

وقال أبو ثور : إذا سرق ثمر نخل أو شجر أو عنب كرم ، وذلك الثمر قائم في أصله ، وكان محروزا ، فبلغ قيمة المسروق من ذلك ما تقطع فيه اليد قطعت يده ، وذلك أن هذا كله ملك لمالكه لا يحل أخذه ، وعلى من استهلكه قيمته في قول جماعة أهل العلم لا أعلمهم اختلفوا في ذلك ، فلذلك رأينا على من سرق من ذلك ما يوجب القطع القطع .

قال أبو عمر : لأهل العلم في تأويل حديث هذا الباب قولان : أحدهما : أن المعنى المقصود إليه بهذا الحديث جنس الثمر والكثر من غير مراعاة حرز ، فمن ذهب إلى هذا المذهب لم ير القطع على سارق سرق من الثمر كله ، وأجناس الفواكه والطعام الذي لا يبقى ولا يومن فساده ، كثيرا كانت السرقة من ذلك كله أو قليلا ، من حرز كانت أو من غير حرز ، قالوا : وهذا معنى حديث هذا الباب ; لأنه لو أراد ما لم يكن محروزا ما كان لذكر الثمر وتخصيصه فائدة ، هذا كله قول أبي حنيفة ، وأصحابه .

والقول الآخر : أن المعنى المقصود بهذا الحديث ، الحرز ، وفيه بيان أن الحوائط ليست بحرز للثمار حتى يؤويها الجرين ، وما لم يكن في الجرين فليست محروزة .

[ ص: 311 ] وقد قيل : إن الحديث إنما قصد به حوائط المدينة خاصة ; لأنها حوائط لا حيطان لها ، وما كان لها حيطان منها ، فهي حيطان لا تمنع - لقصرها - من أراد الوصول إلى ما داخلها ، فهذا ما في هذا الحديث من المذاهب لمن استعمله ، ولم يدفعه ، وقد دفعته فرقة ، ولم تقل به .

قال أبو عمر : قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث البراء بن عازب : أنه قضى بأن على أهل الحوائط حفظها وحرزها بالنهار ، وقضى بأن لا قطع في ثمر ، فخرج ما في الحيطان والأجنة من الثمار بذلك من حكم الحرز في سقوط القطع كما خرج المقدار المعتبر في المسروق بالسنة عن جملة وجوب القطع على عموم الآية في السراق والسارقات - والله أعلم - .

وذكر محمد بن الحسين الخرقي الحنبلي في مختصره على مذهب أحمد بن حنبل قال : وإذا سرق السارق ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الورق أو قيمة ثلاثة دراهم من العروض كلها طعاما كان أو غيره ، وأخرجه من الحرز ، فعليه القطع ما لم يكن ثمرا ، ولا كثرا .

[ ص: 312 ] وذكر إسحاق بن منصور قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : القطع فيما آوى الجرين أو المراح قال : والمراح للغنم ، والجرين للثمار ، قال : وقال إسحاق يعني ابن راهويه كما قال أحمد .

قال أبو عمر : ذكر ابن خواز منداد أن أحمد بن حنبل ، وأهل الظاهر ، وطائفة من أهل الحديث : لا يعتبرون الحرز في السرقة ، ويقولون : إن كل سارق سرق ما يجب فيه القطع من حرز ومن غير حرز .

قال أبو عمر : هذا غير صحيح عن أحمد بن حنبل ، والصحيح ما ذكرنا عنه في هذا الباب مما ذكره الخرقي ، وإسحاق بن منصور على ما ذكرنا .

وقال الأثرم : سمعت أحمد بن حنبل يذهب إلى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن سرق المعلق : أنه لا قطع فيه حتى يؤويه الجرين ، وأن عليه غرامة مثليه . واحتج - أيضا - بحديث عمر في ناقة المدني .

قال أبو عمر : حديث عمرو بن شعيب أصل عند جمهور أهل العلم في مراعاة الحرز ، واعتباره في القطع ، حدثناه عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا [ ص: 313 ] الليث ، عن ابن عجلان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه سئل عن الثمر المعلق قال : ما أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ، ومن خرج بشيء منه ، فعليه غرامة مثليه والعقوبة ، ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين ، فبلغ ثمن المجن ، فعليه القطع .

قال أبو عبيد : الثمر المعلق هو الذي في رءوس النخل لم يجذ ، ولم يحرز في الجرين .

قال أبو عمر : وكذلك سائر ما في رءوس الأشجار من سائر الثمار ، قال أبو عبيد : والجرين يسميه أهل العراق البيدر ، ويسميه أهل الشام الأندر ، ويسمى بالبصرة الجودان ، ويقال بالحجاز المربد .

قال أبو عبيد : والودي : النخل الصغار ، وأكثرها جمار النخل في كلام العرب .

قال أبو عمر : أما داود ، وأهل الظاهر ، فذهبوا إلى قطع كل سارق تلزمه الحدود إذا سرق ما يجب فيه القطع من حرز أو من غير حرز على عموم قول الله - عز وجل - وظاهره في ( والسارق والسارقة ) ، وظاهر قول النبي القطع في ربع دينار فصاعدا ، ولم يذكر الحرز ، وضعف داود حديث عمرو بن شعيب .

[ ص: 314 ] وحدث رافع بن خديج ، وشذ في ذلك عن جمهور الفقهاء ، كما شذ أهل البدع في قطع كل سارق قليلا أو كثيرا ، من حرز ومن غيره ، والذي عليه جمهور العلماء القول بهذين الحديثين على ما ذكرنا عنهم ، وكذلك لا أعلم أحدا قال بتضعيف القيمة غير أحمد بن حنبل ، وسائر العلماء يقولون : بالقيمة أو المثل على حسبما ذكرنا في باب نافع من هذا الكتاب .

قال أبو عمر : قوله في هذا الحديث : فعليه غرامة مثليه منسوخ بالقرآن والسنة ، فالقرآن قول الله - عز وجل - ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) .

ولم يقل : بمثلي ما عوقبتم به ، وقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن أعتق شقصا له في عبد بقيمته قيمة عدل ، ولم يقل بمثلي قيمته ولا بتضعيف قيمته ، وقضى في الصحفة بمثلها لا بمثليها ، وقد ذكرنا خبر الصحفة في باب نافع ، وأجمع فقهاء الأمصار على أن لا تضعيف في شيء من الغرامات ، وأجمعوا على إيجاب المثل على مستهلك المكيلات والموزونات ، واختلفوا في العروض على ما ذكرناه في باب نافع من هذا الكتاب ، والحمد لله ، وبه التوفيق .




الخدمات العلمية