إجابة رسلهم
قال تعالى:
[ ص: 3999 ] nindex.php?page=treesubj&link=28659_30549_30550_31756_31791_32022_32491_34103_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون
جاء النور على المشركين كالضوء الساطع على من يكون في ظلام دامس، فلا تقوى عينه على النظر وتضطرب وترتاب، فقالوا: " إنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب " ، فهذه حيرة من يكون في ظلمة حالكة فيلاقي ضوءا شديدا.
وقد كانت مجاوبة بين الرسل وأقوامهم، وهذه المجاوبة صورة واضحة متحدة في كل الخلاف بين الشرك والإيمان أو بين الرسالة الإلهية ومن ينكرونها، ولم تكن هذه المجاوبة بين رسول بعينه وقوم بأعيانهم، بل هي صورة عامة جامعة متحدة، وإليك المجاوبة:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض
الاستفهام إنكاري توبيخي لإنكار الواقع، فقد وقع الشك منهم كما تدل الآية السابقة، وهو حيرة أهل الظلام إذا رأوا النور تحيروا بين باطل ألفوه، وحق جاء إليهم هاديا فارتابوا.
وقدم الجار والمجرور
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10أفي الله شك لأهمية الشك في الله أو لغرابة أن يكون ثمة شك في الله تعالى، وهو الذي فطر السماوات والأرض، أنشأهما إنشاء، وفطرهما فطرا، أيكون في وجوده شك وقد قامت الأدلة وتوافرت البراهين من الوجود بكل أطرافه؟
[ ص: 4000 ] هذا عجب عجاب من الشك في الله سبحانه وتعالى، وهناك عجب من الشك فيما يدعو إليه الرسل، إنهم يدعون إلى أمر نافع في ذاته لا يسوغ للعاقل أن يشكك فيه أو يرتاب، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم وهنا أسندت الدعوة إلى الله تعالى لتربية المهابة في نفوسهم، ولتكون النسبة إليه بيانا لوجوده ورقابته لهم ولأعمالهم وإشعارا لهم بالهيمنة عليهم، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10ليغفر لكم من ذنوبكم (من) هنا إما أن تكون بيانية، ويكون المعنى (ليغفر لكم ذنوبكم) وتكون للدلالة على استغراق الغفران لكل الذنوب إذا آمنوا، فإن الإسلام يجب ما قبله كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإما أن تكون للتبعيض، أي (ليغفر لكم بعض ذنوبكم) ، وهو ما يتعلق بالشرك ونحوه، أما ما يتعلق بالمظالم فإنه لا يغفر إلا أن يعفو أصحابها.
وعندي أن تخريج القول الكريم على أنها بيانية أولى بالأخذ أولا، لأن جب الإسلام لما قبله عام غير خاص بذنب دون ذنب، وإذا كان الشرك قد غفر فما دونه أولى. وثانيا؛ لأنه كان من المشركين من قتلوا وسفكوا فغفر الله لهم ذلك، وحسبك أن الله غفر
لوحشي قاتل
nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة، وثالثا: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صرح بأن كل دم في الجاهلية موضوع، وبأن ربا الجاهلية موضوع .
وقد ذكر سبحانه أنه يؤخرهم إلى أجل مسمى، وبعده يكون البعث، وفي هذا إنذار لهم إن استمروا في ضلالهم يعمهون.
هذا كلام الرسل، فبماذا أجابوا؟
أجاب المشركون بتصوير القرآن ذاكرا الإجابة التي اتحدوا فيها على اختلاف قرونهم ليبين للنبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يضيق صدرا بما يجادل به مشركو
مكة، فهو حال
[ ص: 4001 ] الشرك في كل العصور في إنكارهم رسالات الله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا (إن) هنا نافية وهي مع الإثبات بعدها بالاستناد تفيد القصر، أي أنتم معشر الرسل مقصورون على البشرية، لا يصح أن تتعدوها إلى ادعاء أن الله يخاطبكم من عليائه وأنكم رسله إلينا، كما قال مشركو
مكة: nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وجاء على لسان المشركين قولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10مثلنا أي أنكم تماثلوننا في البشرية ونحن لسنا أنبياء، فلستم بأنبياء مثلنا، وإنكم تحاولون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا من أوثان، وكأنهم بهذا يستندون إلى حجة واهية من حججهم الداحضة، وهي أنهم يتبعون آباءهم، وذلك كاف لاستمرارهم في غيهم.
وقرنوا قولهم هذا بأن الرسل لم يقدموا حجة، فأنكروا ما جاء إليهم من معجزات دالة على رسالاتهم تعنتا ولجاجة في الخصومة، وقالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10فأتونا بسلطان مبين أي بدليل واضح بين يلائمنا، والسلطان هنا الحجة، وكثيرا ما عبر القرآن الكريم عنها بالحجة؛ لأنها تجعل للخصم سلطانا على خصمه يلزمه بالقبول والخضوع لما يقول.
تنبيهان:
أولهما: أن الله تعالى جمع أقوال الرسل في قول واحد، وهم كانوا في أجيال مختلفة، وجمع أقوال المشركين في قول واحد؛ لأنهم جميعا على قول واحد، وكأنه نابت من منابت الشرك المتحدة، فيكون إنتاجها واحدا، ولبيان أن الرسل أجيبوا جميعا بمثل ما أجيب فليتأس وليصبر، فإن الله لا يضيع أجر الصابرين.
ثانيهما: أننا خرجنا قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10ليغفر لكم من ذنوبكم رجحنا أن (من) بيانية وسقنا ما نحسبه دليلا على الترجيح، ومن الحق علينا أن نذكر رأيا مخالفا لرأينا وهو رأي إمام البلاغة
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري، فهو يرجح أن (من) تبعيضية، ولننقل
[ ص: 4002 ] لك عبارته الدالة على ذلك فهو يقول: " فإن قلت ما معنى التبعيض في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10من ذنوبكم ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=3واتقوه وأطيعون nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يغفر لكم من ذنوبكم nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=31يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم وقال في خطاب المؤمنين:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=12يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وغير ذلك مما يقف عليه الاستقراء.
وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين، ولئلا يسوي بين الفريقين في الميعاد، وقيل: أريد: يغفر لهم ما بينهم وبين الله بخلاف ما بينهم وبين العباد من المظالم .
هذا ما وجب ذكره من كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ليعلم القارئ الموضوع من وجوه النظر، وما كنا لنهمل رأي إمام البيان
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري، وقد يسأل سائل لما ذكرت (من) في جانب المشركين إذا آمنوا، ونقول: لكثرة ذنوبهم فكان التعبير فيه إشارة إلى أن الغفران لكلها مع كثرته.
إِجَابَةُ رُسُلِهِمْ
قَالَ تَعَالَى:
[ ص: 3999 ] nindex.php?page=treesubj&link=28659_30549_30550_31756_31791_32022_32491_34103_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=11قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ
جَاءَ النُّورُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ كَالضَّوْءِ السَّاطِعِ عَلَى مَنْ يَكُونُ فِي ظَلَامٍ دَامِسٍ، فَلَا تَقْوَى عَيْنُهُ عَلَى النَّظَرِ وَتَضْطَرِبُ وَتَرْتَابُ، فَقَالُوا: " إِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ " ، فَهَذِهِ حَيْرَةُ مَنْ يَكُونُ فِي ظُلْمَةٍ حَالِكَةٍ فَيُلَاقِي ضَوْءًا شَدِيدًا.
وَقَدْ كَانَتْ مُجَاوَبَةٌ بَيْنَ الرُّسُلِ وَأَقْوَامِهِمْ، وَهَذِهِ الْمُجَاوَبَةُ صُورَةٌ وَاضِحَةٌ مُتَّحِدَةٌ فِي كُلِّ الْخِلَافِ بَيْنَ الشِّرْكِ وَالْإِيمَانِ أَوْ بَيْنَ الرِّسَالَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَمَنْ يُنْكِرُونَهَا، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمُجَاوَبَةُ بَيْنَ رَسُولٍ بِعَيْنِهِ وَقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، بَلْ هِيَ صُورَةٌ عَامَّةٌ جَامِعَةٌ مُتَّحِدَةٌ، وَإِلَيْكَ الْمُجَاوَبَةُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
الِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ تَوْبِيخِيٌّ لِإِنْكَارِ الْوَاقِعِ، فَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ مِنْهُمْ كَمَا تَدُلُّ الْآيَةُ السَّابِقَةُ، وَهُوَ حَيْرَةُ أَهْلِ الظَّلَامِ إِذَا رَأَوُا النُّورَ تَحَيَّرُوا بَيْنَ بَاطِلٍ أَلِفُوهُ، وَحَقٍّ جَاءَ إِلَيْهِمْ هَادِيًا فَارْتَابُوا.
وَقُدِّمَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10أَفِي اللَّهِ شَكٌّ لِأَهَمِّيَّةِ الشَّكِّ فِي اللَّهِ أَوْ لِغَرَابَةِ أَنْ يَكُونَ ثَمَّةَ شَكٌّ فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، أَنْشَأَهُمَا إِنْشَاءً، وَفَطَرَهُمَا فَطْرًا، أَيَكُونُ فِي وُجُودِهِ شَكٌّ وَقَدْ قَامَتِ الْأَدِلَّةُ وَتَوَافَرَتِ الْبَرَاهِينُ مِنَ الْوُجُودِ بِكُلِّ أَطْرَافِهِ؟
[ ص: 4000 ] هَذَا عَجَبٌ عُجَابٌ مِنَ الشَّكِّ فِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُنَاكَ عَجَبٌ مِنَ الشَّكِّ فِيمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الرُّسُلُ، إِنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى أَمْرٍ نَافِعٍ فِي ذَاتِهِ لَا يَسُوغُ لِلْعَاقِلِ أَنْ يُشَكِّكَ فِيهِ أَوْ يَرْتَابَ، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَهُنَا أُسْنِدَتِ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِتَرْبِيَةِ الْمَهَابَةِ فِي نُفُوسِهِمْ، وَلِتَكُونَ النِّسْبَةُ إِلَيْهِ بَيَانًا لِوُجُودِهِ وَرِقَابَتِهِ لَهُمْ وَلِأَعْمَالِهِمْ وَإِشْعَارًا لَهُمْ بِالْهَيْمَنَةِ عَلَيْهِمْ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (مِنْ) هُنَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ بَيَانِيَّةً، وَيَكُونُ الْمَعْنَى (لِيَغْفِرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وَتَكُونُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْغُفْرَانِ لِكُلِّ الذُّنُوبِ إِذَا آمَنُوا، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ (لِيَغْفِرَ لَكُمْ بَعْضَ ذُنُوبِكُمْ) ، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشِّرْكِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَظَالِمِ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ أَصْحَابُهَا.
وَعِنْدِي أَنَّ تَخْرِيجَ الْقَوْلِ الْكَرِيمِ عَلَى أَنَّهَا بَيَانِيَّةٌ أَوْلَى بِالْأَخْذِ أَوَّلًا، لِأَنَّ جَبَّ الْإِسْلَامِ لِمَا قَبْلَهُ عَامٌّ غَيْرُ خَاصٍّ بِذَنْبٍ دُونَ ذَنْبٍ، وَإِذَا كَانَ الشِّرْكُ قَدْ غُفِرَ فَمَا دُونَهُ أَوْلَى. وَثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ قَتَلُوا وَسَفَكُوا فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ، وَحَسْبُكَ أَنَّ اللَّهَ غَفَرَ
لِوَحْشَيٍّ قَاتِلِ
nindex.php?page=showalam&ids=135حَمْزَةَ، وَثَالِثًا: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَّحَ بِأَنَّ كُلَّ دَمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَبِأَنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ .
وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَبَعْدَهُ يَكُونُ الْبَعْثُ، وَفِي هَذَا إِنْذَارٌ لَهُمْ إِنِ اسْتَمَرُّوا فِي ضَلَالِهِمْ يَعْمَهُونَ.
هَذَا كَلَامُ الرُّسُلِ، فَبِمَاذَا أَجَابُوا؟
أَجَابَ الْمُشْرِكُونَ بِتَصْوِيرِ الْقُرْآنِ ذَاكِرًا الْإِجَابَةَ الَّتِي اتَّحَدُوا فِيهَا عَلَى اخْتِلَافِ قُرُونِهِمْ لِيُبَيِّنَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَّا يَضِيقَ صَدْرًا بِمَا يُجَادِلُ بِهِ مُشْرِكُو
مَكَّةَ، فَهُوَ حَالُ
[ ص: 4001 ] الشِّرْكِ فِي كُلِّ الْعُصُورِ فِي إِنْكَارِهِمْ رِسَالَاتِ اللَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا (إِنْ) هُنَا نَافِيَةٌ وَهِيَ مَعَ الْإِثْبَاتِ بَعْدَهَا بِالِاسْتِنَادِ تُفِيدُ الْقَصْرَ، أَيْ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الرُّسُلِ مَقْصُورُونَ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ، لَا يَصِحُّ أَنْ تَتَعَدَّوْهَا إِلَى ادِّعَاءٍ أَنَّ اللَّهَ يُخَاطِبُكُمْ مِنْ عَلْيَائِهِ وَأَنَّكُمْ رُسُلُهُ إِلَيْنَا، كَمَا قَالَ مُشْرِكُو
مَكَّةَ: nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ وَجَاءَ عَلَى لِسَانِ الْمُشْرِكِينَ قَوْلُهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10مِثْلُنَا أَيْ أَنَّكُمْ تُمَاثِلُونَنَا فِي الْبَشَرِيَّةِ وَنَحْنُ لَسْنَا أَنْبِيَاءَ، فَلَسْتُمْ بِأَنْبِيَاءَ مِثْلَنَا، وَإِنَّكُمْ تُحَاوِلُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا مِنْ أَوْثَانٍ، وَكَأَنَّهُمْ بِهَذَا يَسْتَنِدُونَ إِلَى حُجَّةٍ وَاهِيَةٍ مِنْ حُجَجِهِمُ الدَّاحِضَةِ، وَهِيَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ آبَاءَهُمْ، وَذَلِكَ كَافٍ لِاسْتِمْرَارِهِمْ فِي غَيِّهِمْ.
وَقَرَنُوا قَوْلَهُمْ هَذَا بِأَنَّ الرُّسُلَ لَمْ يُقَدِّمُوا حُجَّةً، فَأَنْكَرُوا مَا جَاءَ إِلَيْهِمْ مِنْ مُعْجِزَاتٍ دَالَّةٍ عَلَى رِسَالَاتِهِمْ تَعَنُّتًا وَلَجَاجَةً فِي الْخُصُومَةِ، وَقَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ أَيْ بِدَلِيلٍ وَاضِحٍ بَيِّنٍ يُلَائِمُنَا، وَالسُّلْطَانُ هُنَا الْحُجَّةُ، وَكَثِيرًا مَا عَبَّرَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَنْهَا بِالْحُجَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَجْعَلُ لِلْخَصْمِ سَلَّطَانًا عَلَى خَصْمِهِ يُلْزِمُهُ بِالْقَبُولِ وَالْخُضُوعِ لِمَا يَقُولُ.
تَنْبِيهَانِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ أَقْوَالَ الرُّسُلِ فِي قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَهُمْ كَانُوا فِي أَجْيَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَجَمَعَ أَقْوَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَكَأَنَّهُ نَابِتٌ مِنْ مَنَابِتِ الشِّرْكِ الْمُتَّحِدَةِ، فَيَكُونُ إِنْتَاجُهَا وَاحِدًا، وَلِبَيَانِ أَنَّ الرُّسُلَ أُجِيبُوا جَمِيعًا بِمِثْلِ مَا أُجِيبَ فَلْيَتَأَسَّ وَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الصَّابِرِينَ.
ثَانِيهِمَا: أَنَّنَا خَرَّجْنَا قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ رَجَّحْنَا أَنَّ (مِنْ) بَيَانِيَّةٌ وَسُقْنَا مَا نَحْسَبُهُ دَلِيلًا عَلَى التَّرْجِيحِ، وَمِنَ الْحَقِّ عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَ رَأْيًا مُخَالِفًا لِرَأْيِنَا وَهُوَ رَأْيُ إِمَامِ الْبَلَاغَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ، فَهُوَ يُرَجِّحُ أَنَّ (مِنْ) تَبْعِيضِيَّةٌ، وَلْنَنْقُلْ
[ ص: 4002 ] لَكَ عِبَارَتَهُ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ يَقُولُ: " فَإِنْ قُلْتَ مَا مَعْنَى التَّبْعِيضِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=10مِنْ ذُنُوبِكُمْ مَا عَلِمْتُهُ جَاءَ هَكَذَا إِلَّا فِي خِطَابِ الْكَافِرِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=3وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=31يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَقَالَ فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنَيْنِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=12يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقِفُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاءُ.
وَكَانَ ذَلِكَ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ، وَلِئَلَّا يُسَوِّيَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمِيعَادِ، وَقِيلَ: أُرِيدَ: يَغْفِرُ لَهُمْ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ بِخِلَافِ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعِبَادِ مِنَ الْمَظَالِمِ .
هَذَا مَا وَجَبَ ذِكْرُهُ مِنْ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ لِيَعْلَمَ الْقَارِئُ الْمَوْضُوعَ مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ، وَمَا كُنَّا لِنُهْمِلَ رَأْيَ إِمَامِ الْبَيَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ، وَقَدْ يَسْأَلُ سَائِلٌ لِمَا ذَكَرْتَ (مِنْ) فِي جَانِبِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا آمَنُوا، وَنَقُولُ: لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ فَكَانَ التَّعْبِيرُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْغُفْرَانَ لِكُلِّهَا مَعَ كَثْرَتِهِ.