وبعد ذلك بين سبحانه على لسان رسله المسوغ لتوكلهم عليه وحده فجاء على لسانهم قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=19647_19881_31780_31788_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وما لنا الاستفهام هنا لتقرير التوكل وتثبيته، أي ما ساغ لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا، أي سبيل الحياة الصالحة التي جعلتنا نؤمن بأن الحياة الدنيا طريق الآخرة، وأن الحياة الآخرة هي الحياة الحقيقية الباقية، أما الأولى: فهي الفانية، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وقد هدانا سبلنا جملة حالية تفيد أولا أنهم آمنوا بهداية الله فعرفوا سبيل الحق وسبيل الباطل.
وأما الثانية: أنهم عرفوا بطلان عبادة الأوثان. وأفاد ثالثا: أنه لا قوة في الوجود إلا قوته، وأضيفت السبل إليهم (سبلنا) للإشارة إلى أن هذه السبل هي التي ينبغي أن تكون مطلبهم وأن تكون غايتهم التي يبتغونها.
وأنهم إذا عرفوا السبيل صراط الله، واتخذوها سبيلا لهم فإنهم المعتمدون على الله الصابرون؛ ولذا قال تعالى عنهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12ولنصبرن على ما آذيتمونا اللام لام القسم؛ ولذا كانت معها نون التوكيد الثقيلة التي تلازم القسم
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12على ما آذيتمونا على ما تقدمونه من إيذاء متوال مستمر، فإن على أهل الحق أن يصبروا على أذي المبطلين.
ولقد أكد الرسل والمؤمنون اعتزامهم على الصبر حتى يبلغوا رسالات ربهم.
وإنهم أمام هؤلاء الأقوياء المتعنتين لا بد من اعتماد على القوي القادر القهار؛ ولذا قال تعالى عنهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وعلى الله فليتوكل المتوكلون أي عليه وحده فليتوكل المتوكلون، كان الأمر الأول بالتوكل للمؤمنين فقط، أما هنا فهو يشمل المؤمنين
[ ص: 4005 ] والرسل، وهو تحديد للتوكل الذي يجب أن يكون حال المؤمن لا يفارقه؛ لأن التوكل على الله مع اتخاذ الأسباب عبادة.
وَبَعْدَ ذَلِكَ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ الْمُسَوِّغِ لِتَوَكُّلِهِمْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَجَاءَ عَلَى لِسَانِهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=19647_19881_31780_31788_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وَمَا لَنَا الِاسْتِفْهَامُ هُنَا لِتَقْرِيرِ التَّوَكُّلِ وَتَثْبِيتِهِ، أَيْ مَا سَاغَ لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا، أَيْ سَبِيلَ الْحَيَاةِ الصَّالِحَةِ الَّتِي جَعَلَتْنَا نُؤْمِنُ بِأَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا طَرِيقُ الْآخِرَةِ، وَأَنَّ الْحَيَاةَ الْآخِرَةَ هِيَ الْحَيَاةُ الْحَقِيقِيَّةُ الْبَاقِيَةُ، أَمَّا الْأُولَى: فَهِيَ الْفَانِيَةُ، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ تُفِيدُ أَوَّلًا أَنَّهُمْ آمَنُوا بِهِدَايَةِ اللَّهِ فَعَرَفُوا سَبِيلَ الْحَقِّ وَسَبِيلَ الْبَاطِلِ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمْ عَرَفُوا بُطْلَانَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. وَأَفَادَ ثَالِثًا: أَنَّهُ لَا قُوَّةَ فِي الْوُجُودِ إِلَّا قُوَّتَهُ، وَأُضِيفَتِ السُّبُلُ إِلَيْهِمْ (سُبُلَنَا) لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ السُّبُلَ هِيَ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَطْلَبَهُمْ وَأَنْ تَكُونَ غَايَتَهُمُ الَّتِي يَبْتَغُونَهَا.
وَأَنَّهُمْ إِذَا عَرَفُوا السَّبِيلَ صِرَاطَ اللَّهِ، وَاتَّخَذُوهَا سَبِيلًا لَهُمْ فَإِنَّهُمُ الْمُعْتَمِدُونَ عَلَى اللَّهِ الصَّابِرُونَ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا اللَّامُ لَامُ الْقَسَمِ؛ وَلِذَا كَانَتْ مَعَهَا نُونُ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةِ الَّتِي تُلَازِمُ الْقَسَمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا عَلَى مَا تُقَدِّمُونَهُ مِنْ إِيذَاءٍ مُتَوَالٍ مُسْتَمِرٍّ، فَإِنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى أَذِي الْمُبْطِلِينَ.
وَلَقَدْ أَكَّدَ الرُّسُلُ وَالْمُؤْمِنُونَ اعْتِزَامَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ حَتَّى يُبَلِّغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ.
وَإِنَّهُمْ أَمَامَ هَؤُلَاءِ الْأَقْوِيَاءِ الْمُتَعَنِّتِينَ لَا بُدَّ مِنَ اعْتِمَادٍ عَلَى الْقَوِيِّ الْقَادِرِ الْقَهَّارِ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=12وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ أَيْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ، كَانَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ بِالتَّوَكُّلِ لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ، أَمَّا هُنَا فَهُوَ يَشْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ
[ ص: 4005 ] وَالرُّسُلَ، وَهُوَ تَحْدِيدٌ لِلتَّوَكُّلِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَالَ الْمُؤْمِنِ لَا يُفَارِقُهُ؛ لِأَنَّ التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ مَعَ اتِّخَاذِ الْأَسْبَابِ عِبَادَةٌ.