الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا تالله الجمهور على أن التاء بدل من الواو، ولذلك لا تدخل إلا على الجلالة المعظمة، أو الرب المضاف إلى الكعبة، أو الرحمن في قول ضعيف، ولو قلت: تالرحيم لم يجز، وقيل: من الباء، وقيل: أصل بنفسها، وأيا ما كان ففيه تعجب لقد علمتم علما جازما مطابقا للواقع ما جئنا لنفسد في الأرض أي: لنسرق؛ فإنه من أعظم أنواع الإفساد، أو لنفسد فيها أي إفساد كان مما عز أو هان فضلا عما نسبتمونا إليه من السرقة، ونفي المجيء للإفساد - وإن لم يكن مستلزما لما هو مقتضى المقام من نفي الإفساد مطلقا - لكنهم جعلوا المجيء الذي يترتب عليه ذلك ولو بطريق الاتفاق مجيئا لغرض الإفساد مفعولا لأجله ادعاء إظهارا لكمال قبحه عندهم، وتربية لاستحالة صدوره عنهم، كما قيل في قوله تعالى: ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد الدال بظاهره على نفي المبالغة في الظلم دون نفي الظلم في الجملة الذي هو مقتضى المقام من أن المعنى: إذا عذبت من لا يستحق التعذيب كنت ظلاما مفرطا في الظلم، فكأنهم قالوا: إن صدر عنا إفساد كان مجيئنا لذلك، مريدين به تقبيح حاله وإظهار كمال نزاهتهم عنه، يعنون أنه قد شاع بينكم في كرتي مجيئنا ما نحن عليه، وقد كانوا على غاية ما يكون من الديانة والصيانة فيما يأتون ويذرون، حتى روي أنهم دخلوا مصر وأفواه رواحلهم مكمومة لئلا تتناول زرعا أو طعاما لأحد، وكانوا مثابرين على فنون الطاعات، وعلمتم بذلك أنه لا يصدر عنا إفساد.

                                                                                                                                                                                                                                      وما كنا سارقين أي: ما كنا نوصف بالسرقة قط، وإنما حكموا بعلمهم ذلك؛ لأن العلم بأحوالهم الشاهدة يستلزم العلم بأحوالهم الغائبة، وإنما لم يكتفوا بنفي الأمرين المذكورين بل استشهدوا بعلمهم بذلك؛ إلزاما للحجة عليهم وتحقيقا للتعجب المفهوم من تاء القسم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية