الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ومن كان في هذه [ 72 ] .

                                                                                                                                                                                                                                        أي في الدنيا ( أعمى فهو في الآخرة أعمى ) وتقديره : أعمى منه في الدنيا . قال محمد بن يزيد : وإنما جاز هذا ، ولا يقال : فلان أعمى من فلان ؛ لأنه من عمى القلب . ويقال في عمى القلب : فلان أعمى من فلان . وفي عمى العين : فلان أبين عمى من فلان . ولا يقال : أعمى منه . قال أبو جعفر : وإنما لم يقل : " أعمى منه " في عمى العين عند الخليل وسيبويه ؛ لأن عمى العين شيء ثابت مرئي ، [ ص: 435 ] كاليد والرجل ، فكما لا تقول : ما أيداه ، لا تقول : ما أعماه . وفيه قولان آخران : قال الأخفش سعيد : إنما لم يقل : ما أعماه ؛ لأن الأصل في فعله : اعمي ، واعماي ؛ ولا يتعجب مما جاوز الثلاثة إلا بزيادة . والقول الثاني أنهم فعلوا هذا للفرق بين عمى العين وعمى القلب ، وكذا لم يقولوا في الألوان : ما أسوده ؛ ليفرقوا بينه وبين قولهم : ما أسوده ، من السؤدد ، وأتبعوا بعض الكلام بعضا . قال أبو جعفر : وسمعت أبا إسحاق يقول : إنما لم يقولوا : ما أقيله ، من القايلة ؛ لأنهم قد يقولون في البيع : قلته ، ففرقوا بينهما . وحكى الفراء عن بعض النحويين : ما أعماه ، وما أعشاه ، وما أزرقه ، وما أعوره . قال : لأنهم يقولون : عمي وعشي وعور . وأجاز الفراء في الكلام والشعر : ما أبيضه ، وسائر الألوان ، وكذا عنده . وقال محمد بن يزيد في قوله - جل وعز - : ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى أن يكون من قولك : " فلان أعمى " لا يريد أشد عمى من غيره . قال أبو جعفر : والقول الأول أولى ليكون المعنى عليه لأن بعده ( وأضل سبيلا ) أي منه في الدنيا ، ولهذا روي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال : تجوز الإمالة في قوله - جل وعز - : ومن كان في هذه أعمى ولا تجوز الإمالة في قوله : " فهو في الآخرة أعمى " . يذهب إلى أن الألف في الثاني متوسطة لأن تقديره : أعمى منه في الدنيا ، ولو لم يرد هذه لجازت الإمالة . قال أبو إسحاق : وأضل سبيلا أي طريقا إلى الهدى ؛ لأنه قد حصل على عمله لا سبيل له إلى التوبة .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية