الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: الذين آتيناهم الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                                      اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية على قولين . أحدهما: أنها نزلت في الذين آمنوا من اليهود ، قاله ابن عباس . والثاني: في المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله عكرمة ، وقتادة . وفي الكتاب قولان . أحدهما: أنه القرآن ، قاله قتادة . والثاني: أنه التوراة ، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يتلونه حق تلاوته أي: يعملون به حق عمله ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أولئك يؤمنون به في هاء "به" قولان . أحدهما: أنها تعود على الكتاب . والثاني: على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما بعد هذا قد سبق بيانه إلى قوله: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات والابتلاء: الاختبار . وفي إبراهيم ست لغات . أحدها: إبراهيم ، وهي اللغة الفاشية . والثانية: إبراهم . والثالثة: إبراهم والرابعة: إبراهم ، ذكرهن الفراء . والخامسة: إبراهام . والسادسة: إبرهم . قال عبد المطلب:


                                                                                                                                                                                                                                      عذت بما عاذ به إبرهم مستقبل الكعبة وهو قائم



                                                                                                                                                                                                                                      وقال أيضا:


                                                                                                                                                                                                                                      نحن آل الله في كعبته     لم يزل ذاك على عهد إبرهيم



                                                                                                                                                                                                                                      وفي الكلمات خمسة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها خمس في الرأس ، وخمس في الجسد . أما التي في الرأس; فالفرق ، والمضمضة ، والاستنشاق ، وقص الشارب ، والسواك . وفي الجسد: تقليم الأظافر ، وحلق [ ص: 140 ] العانة ، ونتف الإبط ، والاستطابة بالماء ، والختان ، رواه طاوس عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها عشر ، ست في الإنسان ، وأربع في المشاعر . فالتي في الإنسان: حلق العانة ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظافر ، وقص الشارب ، والسواك ، والغسل من الجنابة ، والغسل يوم الجمعة . والتي في المشاعر: الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار ، والإفاضة . رواه حنش بن عبد الله عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنها المناسك ، رواه قتادة عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أنه ابتلاه بالكوكب ، والشمس ، والقمر ، والهجرة ، والنار ، وذبح ولده ، والختان ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أنها كل مسألة في القرآن ، مثل قوله: رب اجعل هذا البلد آمنا [ إبراهيم: 35 ] . ونحو ذلك ، قاله مقاتل فمن قال: هي أفعال فعلها; قال: معنى فأتمهن: عمل بهن . ومن قال: هي دعوات ومسائل; قال: معنى فأتمهن: أجابه الله إليهن . وقد روي عن أبي حنيفة أنه قرأ: (إبراهيم) برفع الميم (ربه) بنصب الباء ، على معنى: اختبر ربه هل يستجيب دعاءه ، ويتخذه خليلا أم لا؟ .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (ومن ذريتي) في الذرية قولان . أحدهما: أنها فعلية من الذر ، لأن الله أخرج الخلق من صلب آدم كالذر . والثاني: أن أصلها ذرورة ، على وزن: فعلولة ، ولكن لما كثر التضعيف أبدل من الراء الأخيرة ياء ، فصارت: ذروية ، ثم أدغمت الواو في الياء ، فصارت: ذرية ، ذكرهما الزجاج ، وصوب الأول .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي العهد هاهنا سبعة أقوال . أحدها: أنه الإمامة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وسعيد بن جبير . والثاني: أنه الطاعة ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث: الرحمة ، قاله عطاء وعكرمة . والرابع: الدين ، قاله أبو العالية . والخامس: [ ص: 141 ] النبوة ، قاله السدي عن أشياخه . والسادس: الأمان ، قاله أبو عبيدة . والسابع: الميثاق ، قاله ابن قتيبة . والأول أصح .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المراد بالظالمين هاهنا قولان . أحدهما: أنهم الكفار ، قاله ابن جبير ، والسدي . والثاني: العصاة ، قاله عطاء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية