الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              القسم الأول من الفن الأول من مقاصد القطب الثالث في المجمل والمبين .

              ولنشتغل بالمقاصد وهي كيفية اقتباس الأحكام من الصيغ والألفاظ المنطوق بها وهي أربعة أقسام .

              [ ص: 187 ] القسم الأول من الفن الأول من مقاصد القطب الثالث : في المجمل والمبين .

              اعلم أن اللفظ إما أن يتعين معناه بحيث لا يحتمل غيره فيسمى مبينا ونصا ، وإما أن يتردد بين معنيين فصاعدا من غير ترجيح فيسمى مجملا ، وإما أن يظهر في أحدهما ولا يظهر في الثاني فيسمى ظاهرا . والمجمل هو اللفظ الصالح لأحد معنيين الذي لا يتعين معناه لا بوضع اللغة ولا بعرف الاستعمال ، وينكشف ذلك بمسائل .

              مسألة : قوله تعالى : { حرمت عليكم أمهاتكم } و { حرمت عليكم الميتة } ليس بمجمل

              وقال قوم من القدرية : هو مجمل ; لأن الأعيان لا تتصف بالتحريم ، وإنما يحرم فعل ما يتعلق بالعين وليس يدرى ما ذلك الفعل فيحرم من الميتة مسها أو أكلها أو النظر إليها أو بيعها أو الانتفاع بها فهو مجمل .

              والأم يحرم منها النظر أو المضاجعة أو الوطء فلا يدرى أيه ، ولا بد من تقدير فعل ، وتلك الأفعال كثيرة وليس بعضها أولى من بعض . وهذا فاسد ، إذ عرف الاستعمال كالوضع ، ولذلك قسمنا الأسماء إلى عرفية ووضعية وقدمنا بيانها ، ومن أنس بتعارف أهل اللغة واطلع على عرفهم علم أنهم لا يستريبون في أن من قال : حرمت عليك الطعام والشراب أنه يريد الأكل دون النظر والمس ، وإذا قال : حرمت عليك هذا الثوب أنه يريد اللبس ، وإذا قال : حرمت عليك النساء أنه يريد الوقاع ، وهذا صريح عندهم مقطوع به ، فكيف يكون مجملا ؟ والصريح تارة يكون بعرف الاستعمال وتارة بالوضع وكل ذلك واحد في نفي الإجمال ؟ وقال قوم : هو من قبيل المحذوف ، كقوله تعالى : { واسأل القرية } أي : أهل القرية ، وكذلك قوله تعالى : { أحلت لكم بهيمة الأنعام } أي : أكل البهيمة ، و { أحل لكم صيد البحر } وهذا إن أراد به إلحاقه بالمجمل فهو خطأ ، وإن أراد به حصول الفهم به مع كونه محذوفا فهو صحيح ، وإن أراد به إلحاقه بالمجاز فيلزمه تسمية الأسماء العرفية مجازا .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية