الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 296 ] والطريق إلى معرفته جمع طرق الحديث والنظر في اختلاف رواته وضبطهم وإتقانهم ، وكثر التعليل بالإرسال بأن يكون راويه أقوى ممن وصل ، وتقع العلة في الإسناد وهو الأكثر ، وقد تقع في المتن ، وما وقع في الإسناد قد يقدح فيه وفي المتن . كالإرسال والوقف ، وقد يقدح في الإسناد خاصة ، ويكون المتن معروفا صحيحا ، كحديث يعلى بن عبيد ، عن الثوري ، عن عمرو بن دينار حديث " البيعان بالخيار " غلط يعلى إنما هو عبد الله بن دينار .

        التالي السابق


        ( والطريق إلى معرفته جمع طرق الحديث والنظر في اختلاف رواته ، و ) في ( ضبطهم وإتقانهم ) .

        قال ابن المديني : الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه .

        [ ص: 297 ] ( وكثر التعليل بالإرسال ) للموصول ، ( بأن يكون راويه أقوى ممن وصل ، وتقع العلة في الإسناد ، وهو الأكثر ، وقد تقع في المتن ، وما وقع ) منها ( في الإسناد قد يقدح فيه وفي المتن ) أيضا ، ( كالإرسال ، والوقف ، وقد يقدح في الإسناد خاصة ، ويكون المتن معروفا صحيحا .

        كحديث يعلى بن عبيد ) الطنافسي ، أحد رجال الصحيح ( ، عن ) سفيان ( الثوري ، عن عمرو بن دينار ) ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( حديث " البيعان بالخيار " ، غلط يعلى ) على سفيان في قوله : عمرو بن دينار ، ( إنما هو عبد الله بن دينار ) ، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان ، كأبي نعيم الفضل بن دكين ، ومحمد بن يوسف الفريابي ، ومخلد بن يزيد ، وغيرهم .

        ومثال العلة في المتن : ما انفرد به مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم : حدثنا الأوزاعي ، عن قتادة أنه كتب إليه يخبره ، عن أنس بن مالك أنه حدثه ، [ ص: 298 ] قال : صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فكانوا يستفتحون بـ الحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم من أول قراءة ، ولا في آخرها . ثم رواه من رواية الوليد ، عن الأوزاعي ، أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنسا يذكر ذلك .

        وروى مالك في الموطأ ، عن حميد ، عن أنس قال : صليت وراء أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، وزاد فيه الوليد بن مسلم ، عن مالك : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم .

        هذا الحديث معلول ، أعله الحفاظ بوجوه جمعتها ، وحررتها في المجلس الرابع والعشرين من الأمالي بما لم أسبق إليه ، وأنا ألخصها هنا : فأما رواية حميد ، فأعلها الشافعي بمخالفة الحفاظ مالكا ، فقال في سنن حرملة فيما نقله عن البيهقي : فإن قال قائل : قد روى مالك فذكره ، قيل له : خالفه سفيان بن عيينة ، والفزاري ، والثقفي ، وعدد لقيتهم سبعة ، أو ثمانية متفقين مخالفين له ، والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد ، ثم رجح روايتهم بما رواه ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن قتادة ، عن أنس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة الحمد لله رب العالمين قال الشافعي : يعني يبدءون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها ، ولا يعني أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم .

        [ ص: 299 ] قال الدارقطني : وهذا هو المحفوظ ، عن قتادة وغيره عن أنس .

        قال البيهقي ، وكذا رواه عن قتادة أكثر أصحابه كأيوب ، وشعبة ، والدستوائي ، وشيبان بن عبد الرحمن ، وسعيد بن أبي عروبة ، وأبي عوانة ، وغيرهم .

        قال ابن عبد البر : فهؤلاء حفاظ أصحاب قتادة ، وليس في روايتهم لهذا الحديث ما يوجب سقوط البسملة ، وهذا هو اللفظ المتفق عليه في الصحيحين ، وهو رواية الأكثرين ، ورواه كذلك أيضا ، عن أنس ، ثابت البناني ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وما أوله عليه ، ورواه الشافعي مصرح به في رواية الدارقطني بسند صحيح ، فكانوا يستفتحون بأم القرآن .

        قال ابن عبد البر : ويقولون إن أكثر رواية حميد ، عن أنس إنما سمعها ، عن قتادة وثابت ، عن أنس ، ويؤيد ذلك أن ابن عدي صرح بذكر قتادة بينهما في هذا الحديث ، فتبين انقطاعها ورجوع الطريقين إلى واحدة .

        وأما رواية الأوزاعي ، فأعلها بعضهم بأن الراوي عنه - وهو الوليد - يدلس تدليس التسوية ، وإن كان قد صرح بسماعه من شيخه ، وإن ثبت أنه لم يسقط بين الأوزاعي وقتادة أحد ، فقتادة ولد أكمه ; فلا بد أن يكون أملى على من كتب إلى الأوزاعي ، ولم يسم هذا الكتاب ، فيحتمل أن يكون مجروحا أو غير ضابط ، [ ص: 300 ] فلا تقوم به الحجة مع ما في أصل الرواية بالكتابة من الخلاف ، وأن بعضهم يرى انقطاعها .

        وقال ابن عبد البر : اختلف في ألفاظ هذا الحديث اختلافا كثيرا متدافعا مضطربا : منهم من يقول : صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر .

        ومنهم من يذكر عثمان .

        ومنهم من يقتصر على أبي بكر وعثمان .

        ومنهم من لا يذكر ، فكانوا لا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم .

        ومنهم من قال : فكانوا لا يجهرون بـ بسم الله الرحمن الرحيم .

        ومنهم من قال : فكانوا يجهرون بـ بسم الله الرحمن الرحيم .

        ومنهم من قال : فكانوا يفتتحون القراءة بـ الحمد لله رب العالمين .

        ومنهم من قال : فكانوا يقرءون بـ بسم الله الرحمن الرحيم .

        قال : وهذا اضطراب لا تقوم معه حجة لأحد ، ومما يدل على أن أنسا لم يرو نفي البسملة ، وأن الذي زاد ذلك في آخر الحديث ، روى بالمعنى فأخطأ ، ما صح عنه أن أبا سلمة سأله ، أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، أو بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ؟ فقال : إنك سألتني عن شيء ما أحفظه ، وما سألني عنه أحد قبلك ، أخرجه أحمد ، وابن خزيمة بسند على شرط الشيخين .

        [ ص: 301 ] وما قيل : من أن من حفظ عنه حجة على من سأله في حال نسيانه ، فقد أجاب أبو شامة بأنهما مسألتان ، فسؤال أبي سلمة عن البسملة ، وتركها ، وسؤال قتادة عن الاستفتاح بأي سورة .

        وقد ورد من طريق آخر عنه : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسر بـ بسم الله الرحمن الرحيم ، أخرجه الطبراني ، عن طريق معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحسن عنه .

        وابن خزيمة من طريق سويد بن عبد العزيز ، عن عمران القصير ، عن الحسن عنه .

        وورد من طريق آخر ، عن المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أنس ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر بـ بسم الله الرحمن الرحيم ، رواه الدارقطني والخطيب .

        وأخرجه الحاكم من جهة أخرى ، عن المعتمر .

        وقد ورد ثبوت قراءتها في الصلاة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة ، من طرق عند الحاكم ، وابن خزيمة ، والنسائي ، والدارقطني ، والبيهقي ، والخطيب .

        فابن عباس عند الترمذي ، والحاكم ، والبيهقي .

        وعثمان وعلي وعمار بن ياسر ، وجابر بن عبد الله ، والنعمان بن بشير ، وابن عمر ، والحكم بن عمرو ، وعائشة ، وأحاديثهم عند الدارقطني .

        وسمرة بن جندب ، وأبي وحديثهما عند البيهقي .

        [ ص: 302 ] وبريدة ، ومجالد بن ثور ، وبسر أو بشر بن معاوية ، وحسين بن عرفطة ، وأحاديثهم عند الخطيب .

        وأم سلمة عند الحاكم .

        وجماعة من المهاجرين والأنصار عند الشافعي .

        فقد بلغ ذلك مبلغ التواتر ، وقد بينا طرق هذه الأحاديث كلها في كتاب " قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة " ، وتبين بما ذكرناه أن لحديث مسلم السابق تسع علل : المخالفة من الحفاظ والأكثرين ، والانقطاع ، وتدليس التسوية من الوليد ، والكتابة ، وجهالة الكاتب ، والاضطراب في لفظه ، والإدراج ، وثبوت ما يخالفه عن صحابيه ، ومخالفته لما رواه عدد التواتر .

        قال الحافظ أبو الفضل العراقي : وقول ابن الجوزي : إن الأئمة اتفقوا على صحته ، فيه نظر ، فهذا الشافعي ، والدارقطني ، والبيهقي ، وابن عبد البر لا يقولون بصحته ، أفلا يقدح كلام هؤلاء في الاتفاق الذي نقله .




        الخدمات العلمية