الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا إن يسرق يعنون بنيامين فقد سرق أخ له من قبل يريدون به يوسف - عليه السلام - وما جرى عليه من جهة عمته - على ما قيل - من أنها كانت تحضنه فلما شب أراد يعقوب - عليه السلام - انتزاعه منها، وكانت لا تصبر عنه ساعة، وكانت لها منطقة ورثتها من أبيها إسحاق - عليه السلام - فاحتالت لاستبقاء يوسف - عليه السلام - فعمدت إلى المنطقة فحزمتها عليه من تحت ثيابه، ثم قالت: فقدت منطقة إسحاق - عليه السلام - فانظروا من أخذها فوجدوها محزومة على يوسف ، فقالت: إنه لي سلم أفعل به ما أشاء فخلاه يعقوب - عليه السلام - عندها حتى ماتت، وقيل: كان أخذ في صباه صنما لأبي أمه فكسره وألقاه في الجيف، وقيل: دخل كنيسة فأخذ تمثالا صغيرا من ذهب كانوا يعبدونه فدفنه.

                                                                                                                                                                                                                                      فأسرها يوسف أي: أكن الحزازة الحاصلة مما قالوا في نفسه لا أنه أسرها لبعض أصحابه، كما في قوله تعالى: وأسررت لهم إسرارا ، ولم يبدها لهم لا قولا ولا فعلا صفحا عنهم وحلما، وهو تأكيد لما سبق قال أي: في نفسه وهو استئناف [ ص: 299 ] مبني على سؤال نشأ من الإخبار بالإسرار المذكور، كأنه قيل: فماذا قال في نفسه في تضاعيف ذلك الإسرار؟ فقيل قال: أنتم شر مكانا أي: منزلة، حيث سرقتم أخاكم من أبيكم، ثم طفقتم تفترون على البريء، وقيل: بدل من (أسرها) والضمير للمقالة المفسرة بقوله: "أنتم شر مكانا" والله أعلم بما تصفون أي: عالم علما بالغا إلى أقصى المراتب بأن الأمر ليس كما تصفون من صدور السرقة منا، بل إنما هو افتراء علينا، فالصيغة لمجرد المبالغة لا لتفضيل علمه - عز وجل - على علمهم، كيف لا وليس لهم بذلك من علم؟

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية